Contents
التفقد البيداغوجي في تونس: نحو إصلاح جذري لوظيفة التأطير التربوي
مقدمة
يُعدّ جهاز التفقد البيداغوجي ركيزة من ركائز المنظومة التربوية، ووسيلة من وسائل ضمان الجودة وتحسين الممارسات البيداغوجية داخل الفضاءات التعليمية. غير أنّ الممارسة الميدانية في السياق التونسي تُظهر تراجعًا ملحوظًا في نجاعته، وتحوّله في بعض الحالات إلى عامل تعثّر بدل أن يكون أداة إصلاح. هذا الوضع يطرح بإلحاح ضرورة مراجعة جذرية لهذا الجهاز، سواء على مستوى الإطار التشريعي المنظم له أو على مستوى تمثّلاته وممارساته.
1. موقع المتفقد في النص القانوني: سلطة غير خاضعة للمساءلة
يُكرّس أمر حكومي عدد 297 لسنة 2017 مؤرخ في 13 فيفري 2017 يتعلّق بضبط النظام الأساسي الخاص بسلك التفقد البيداغوجي للمدارس الابتدائية بوزارة التربية، المتعلّق بالنظام الأساسي لسلك المتفقدين، تمثّلاً عمودياً لوظيفة التفقد، حيث يمنح المتفقد صلاحيات واسعة تشمل المتابعة، والتوجيه، والتقييم، وإبداء الرأي في الكفاءة المهنية للمدرسين، والمشاركة في المجالس التربوية. غير أنّ هذا الامتداد في الصلاحيات لا يوازيه إرساء فعلي لآليات التقييم المضاد أو المساءلة المهنية، ممّا يجعل من المتفقد، عمليًا، سلطة شبه مطلقة في علاقة تأطيرية يُفترض أن تقوم على التشاركية لا على التراتبية المطلقة.
2. من التوجيه إلى الرقابة: تحوّلات في الوظيفة
رغم ما يُفترض من أن تكون وظيفة التفقد قائمة على الدعم والمرافقة المهنية، فإنّ السلوكيات الميدانية تفيد بتغليب منطق التفتيش على منطق التأطير. فقد تحوّلت الزيارات البيداغوجية في كثير من الحالات إلى لحظات تقييمية ذات طابع رقابي، يغيب عنها الحوار البيداغوجي العميق، ويطغى عليها البعد الشكلي المرتبط بملفات الإنجاز، ممّا يفرغها من مضمونها التكويني، ويؤدي إلى توتير العلاقة بين المتفقد والمدرّس.
3. تداعيات الممارسة الحالية على الحقل التربوي
إنّ استمرار هذا النموذج العمودي للتفقد يُفضي إلى عدد من الانعكاسات السلبية على المدرسة التونسية، من أبرزها:
تراجع المبادرة البيداغوجية والإبداع المهني، نتيجة هيمنة ثقافة الخوف من التقييم.
ضعف النجاعة التكوينية للزيارات التأطيرية، بسبب افتقارها إلى الديناميكية التشاركية.
انتشار التململ المهني في صفوف المدرّسين، وشعورهم بعدم التقدير والإنصاف.
عجز الجهاز التفقدي، في صيغته الحالية، عن مواكبة التحولات العالمية في علوم التربية وتكنولوجيا التعليم.
4. نحو تصور بديل للتفقد البيداغوجي
إنّ تجاوز هذه الإشكاليات يقتضي مقاربة إصلاحية شاملة، تنبني على المحاور التالية:
مراجعة الإطار القانوني المنظّم لسلك التفقد، بما يضمن التوازن بين الصلاحيات والواجبات، ويُدرج المتفقد ضمن منظومة خاضعة بدورها للتقييم والتقويم.
تحوير الوظيفة التأطيرية لتكون موجّهة نحو المرافقة المهنية الفعلية، لا نحو التقييم الشكلي أو الزجري.
إرساء آليات للحوار البيداغوجي المؤسّسي داخل المؤسسات التربوية، يشارك فيها المتفقدون والمدرسون على قدم المساواة.
تطوير منظومة التكوين المستمر للمتفقدين، قصد تمكينهم من مواكبة أحدث المداخل البيداغوجية، وتجويد آليات التواصل والتأطير.
إحداث هيئة مستقلة للتظلم التربوي، تُمكّن المدرسين من الطعن في بعض التقارير أو القرارات، في إطار ضمان الحق في المحاكمة المهنية العادلة.
خاتمة
لقد آن الأوان لإعادة النظر جذريًا في مفهوم التفقد البيداغوجي في تونس، عبر تفكيك التمثلات السلطوية التي تحيط به، وإرساء نموذج شراكي يقوم على الثقة المتبادلة، والتعلّم الجماعي، والمسؤولية المهنية المشتركة. إن بناء مدرسة ديمقراطية حديثة لا يمكن أن يتمّ في ظلّ جهاز تفقدي مغلق، بل يقتضي منظومة تأطيرية تتفاعل مع المربين باعتبارهم شركاء في الإصلاح، لا مجرّد أطراف خاضعة للتقييم.
المراجع:
عماد إيلاهي