الْكَنْزُ الْبِيئِيُّ: سِرُّ الْغَابَةِ الْمَهْدَّدَةِ – قصة للأطفال – هذه القصة محمية الحقوق بموجب رقم ايداع دولي
تَخَيَّلُوا مَعِي قَرْيَةً صَغِيرَةً، وَكَأَنَّهَا لُؤْلُؤَةٌ خَضْرَاءُ مُخْتَبِئَةٌ بَيْنَ أَحْضَانِ تِلَالٍ مُخْمَلِيَّةٍ. كَانَتْ غَابَةٌ سَاحِرَةٌ تُطَوِّقُهَا بِأَشْجَارِهَا الشَّاهِقَةِ وَأَغْصَانِهَا الْمُتَدَاخِلَةِ، حَيْثُ تَلْعَبُ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ الْمُذَهَّبَةُ الْغُمَّيْضَاءَ بَيْنَ الْأَوْرَاقِ، وَتُطْلِقُ الْعَصَافِيرُ تَغَارِيدَهَا الْعَذْبَةَ فِي الْهَوَاءِ.
لَكِنْ، كَانَ هُنَاكَ خَطَرٌ يُحْدِقُ بِهَذَا الْجَمَالِ. وُحُوشٌ حَدِيدِيَّةٌ صَفْرَاءُ، تُزَمْجِرُ بِمُحَرِّكَاتِهَا الْعَالِيَةِ، بَدَأَتْ تَقْتَرِبُ مِنْ أَطْرَافِ الْغَابَةِ. كَانُوا عُمَّالَ شَرِكَةٍ لَا تَهْتَمُّ إِلَّا بِالْمَالِ، وَقَدْ عَزَمُوا عَلَى قَطْعِ الْأَشْجَارِ وَتَحْوِيلِ الْمَكَانِ إِلَى أَرْضٍ قَاحِلَةٍ.

فِي وَسَطِ هَذَا الْقَلَقِ، كَانَ هُنَاكَ أَرْبَعَةُ أَصْدِقَاءٍ صِغَارٍ يَشْعُرُونَ بِالْحُزْنِ وَالْغَضَبِ.
كَانَتْ لِيَا فَتَاةً ذَكِيَّةً وَقَوِيَّةَ الشَّخْصِيَّةِ، تَنْظُرُ إِلَى الْأُمُورِ بِعَيْنَيْنِ ثَاقِبَتَيْنِ وَتُفَكِّرُ بِحَلٍّ لِهَذِهِ الْمُشْكِلَةِ الْكَبِيرَةِ.
أَمَّا يُوسُف، فَكَانَ مُخْتَرِعًا صَغِيرًا يَرَى الْإِمْكَانِيَّاتِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. كَانَتْ يَدَاهُ دَائِمًا تَعْمَلَانِ عَلَى تَجْمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَإِعَادَةِ تَرْكِيبِهَا بِطُرُقٍ مُبْتَكَرَةٍ.
وَكَانَتْ نُور هَادِئَةً وَحَسَّاسَةً، تَمْتَلِكُ قَلْبًا مُحِبًّا لِكُلِّ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ. كَانَتْ تَشْعُرُ بِأَلَمِ الْغَابَةِ وَكَأَنَّهُ أَلَمُهَا.
أَمَّا زِيَاد، فَكَانَ شُجَاعًا وَمُسْتَعِدًّا لِمُواجَهَةِ أَيِّ خَطَرٍ. كَانَ يَمْلِكُ رُوحَ الْمُغَامَرَةِ وَلَا يَخَافُ مِنْ التَّحَدِّيَاتِ.
ذَاتَ يَوْمٍ، بَيْنَمَا كَانَ الْأَطْفَالُ يَتَحَدَّثُونَ بِهَمْسٍ عَنْ مَصِيرِ غَابَتِهِمُ الْحَبِيبَةِ، تَذَكَّرُوا قِصَّةً قَدِيمَةً حَكَاهَا لَهُمْ جَدُّ لِيَا. كَانَتْ قِصَّةً عَنْ “كَنْزٍ غَامِضٍ” مَوْجُودٍ فِي مَكَانٍ مَا فِي الْغَابَةِ، كَنْزٍ يَمْلِكُ قُوَّةً عَظِيمَةً لِحِمَايَتِهَا. لَكِنَّ مَكَانَ هَذَا الْكَنْزِ ظَلَّ سِرًّا مُغْلَقًا لِسَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ.
فَجَأَةً، لَمَعَتْ عَيْنَا لِيَا بِفِكْرَةٍ. رُبَّمَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُسْطُورَةُ مُجَرَّدَ قِصَّةٍ! رُبَّمَا كَانَ الْكَنْزُ حَقِيقَةً، وَرُبَّمَا كَانُوا هُمُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعُثُورِ عَلَيْهِ وَإِنْقَاذِ غَابَتِهِمْ. بِقُلُوبٍ مُتَحَمِّسَةٍ وَعُزِيمَةٍ قَوِيَّةٍ، قَرَّرَ الْأَصْدِقَاءُ الْأَرْبَعَةُ الشُّرُوعَ فِي مُغَامَرَةٍ بَحْثًا عَنْ هَذَا الْكَنْزِ الْمَفْقُودِ. كَانُوا يَأْمُلُونَ أَنْ يَجِدُوا مَا يُسَاعِدُهُمْ عَلَى إِيقَافِ الْجُرَافَاتِ وَحِمَايَةِ الْغَابَةِ مِنْ الدَّمَارِ. تَرَاهُمْ سَيَنْجَحُونَ فِي مُهِمَّتِهِمْ؟ وَمَا هُوَ يَا تُرَى هَذَا الْكَنْزُ السِّرِّيُّ؟

بَيْنَمَا كَانَ الْأَطْفَالُ الْأَرْبَعَةُ يَبْحَثُونَ بِحَذَرٍ فِي رُكْنٍ مُهْمَلٍ فِي مَرْكَزِ إِعَادَةِ التَّدْوِيرِ الْقَدِيمِ فِي بَلْدَتِهِمْ، وَبَيْنَ أَكْوَامِ الْوَرَقِ الْمُقَوَّى وَالْعُلَبِ الْمَعْدَنِيَّةِ الصَّدِئَةِ، لَمَحَتْ عَيْنُ يُوسُفَ اللَّمَّاعَةُ شَيْئًا مُلْفِتًا. كَانَتْ عُلْبَةٌ كَرْتُونِيَّةٌ قَدِيمَةٌ، مُغَطَّاةٌ بِالْغُبَارِ، وَلَكِنْ كَانَتْ تَبْدُو مُخْتَلِفَةً عَنِ الْبَقِيَّةِ.
بِفُضُولٍ، فَتَحَ يُوسُفُ الْعُلْبَةَ بِبُطْءٍ. لَمْ يَجِدْ بِدَاخِلِهَا كُنُوزًا بَرَّاقَةً كَمَا تَوَقَّعُوا، بَلْ وَجَدُوا وَرَقَةً صَفْرَاءَ بَالِيَةً، مُلَفُوفَةً بِشَرِيطٍ قُطْنِيٍّ مُهْتَرِئٍ. عِنْدَمَا فَرَدُوهَا بِحَذَرٍ، ظَهَرَتْ رُسُومٌ غَرِيبَةٌ وَخُطُوطٌ مُتَعَرِّجَةٌ. كَانَتْ خَرِيطَةً قَدِيمَةً!

بَدَأَ الْأَطْفَالُ يَتَفَحَّصُونَ الْخَرِيطَةَ بِحَمَاسَةٍ. لَمْ تَكُنْ تُرْسَمُ عَلَيْهَا طُرُقٌ مُعْتَادَةٌ أَوْ عَلَامَاتٌ وَاضِحَةٌ، بَلْ كَانَتْ تَحْتَوِي عَلَى رُمُوزٍ غَرِيبَةٍ بَدَتْ وَكَأَنَّهَا مُسْتَوْحَاةٌ مِنَ الطَّبِيعَةِ. لَاحَظَتْ نُورُ بِذَكَائِهَا أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الرُّمُوزِ تَشْبَهُ إِشَارَاتِ إِعَادَةِ التَّدْوِيرِ، وَأُخْرَى تُشِيرُ إِلَى أَشْكَالِ أَوْرَاقِ أَشْجَارٍ نَادِرَةٍ كَانَتْ تَنْمُو فِي قَلْبِ الْغَابَةِ.
أَدْرَكَ الْأَطْفَالُ أَنَّ الْخَرِيطَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ رُسُومٍ، بَلْ هِيَ سِلْسِلَةٌ مِنْ الْأَلْغَازِ الْبِيئِيَّةِ الَّتِي سَتَقُودُهُمْ إِلَى الْكَنْزِ الْمَفْقُودِ إِذَا مَا تَمَكَّنُوا مِنْ حَلِّهَا.
بَدَأَتْ مُغَامَرَتُهُمُ الْمُثِيرَةُ فِي أَعْمَاقِ الْغَابَةِ. كَانُوا يَتَعَاوَنُونَ لِحَلِّ كُلِّ لُغْزٍ يَوَاجِهُهُمْ. تَعَلَّمُوا كَيْفَ يَتَعَرَّفُونَ عَلَى الْأَشْجَارِ النَّادِرَةِ مِنْ أَشْكَالِ أَوْرَاقِهَا وَلِحَائِهَا، وَكَيْفَ يَتْبَعُونَ إِشَارَاتِ إِعَادَةِ التَّدْوِيرِ الْمُخْتَبِئَةَ بَيْنَ الصُّخُورِ وَجُذُوعِ الْأَشْجَارِ الْقَدِيمَةِ.
وَفِي أَحَدِ الْمَوَاقِعِ، وَجَدُوا أَمَامَهُمْ مَمَرًّا مُغْلَقًا بِكَوْمَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ النُّفَايَاتِ الْمُتَرَاكِمَةِ. لَمْ يَسْتَسْلِمُوا، بَلْ تَعَاوَنُوا عَلَى جَمْعِ الْقُمَامَةِ وَفَرْزِهَا بِجِدٍّ وَنَشَاطٍ. وَبِشَكْلٍ غَرِيبٍ، عِنْدَمَا أَزَاحُوا الْقَدْرَ الْكَافِيَ مِنَ النُّفَايَاتِ، انْكَشَفَ بَابٌ سِرِّيٌّ فِي الصَّخْرِ! هَكَذَا تَعَلَّمُوا بِأَنْفُسِهِمْ أَهَمِّيَّةَ حِمَايَةِ الْبِيئَةِ وَأَنَّ حَتَّى الْأَشْيَاءِ الَّتِي نَعْتَبِرُهَا نُفَايَاتٍ قَدْ تَكُونُ مِفْتَاحًا لِحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ.
وَأَخِيرًا، وَصَلُوا إِلَى مَكَانٍ بَدَا وَكَأَنَّهُ قَلْبُ الْغَابَةِ. لَمْ يَجِدُوا صَنَادِيقَ مُلِيئَةً بِالذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ كَمَا تَخَيَّلُوا. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، وَجَدُوا صَنْدُوقًا خَشَبِيًّا قَدِيمًا يَحْتَوِي عَلَى بُذُورٍ نَادِرَةٍ لِأَشْجَارٍ مُوشِكَةٍ عَلَى الِانْقِرَاضِ، وَجِهازًا غَرِيبًا بَدَا وَكَأَنَّهُ اخْتِرَاعٌ قَدِيمٌ لِتَنْقِيَةِ الْمِيَاهِ. أَدْرَكَ الْأَطْفَالُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْكَنْزُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي سَيُنْقِذُ الْغَابَةَ!
لَكِنَّ الْمُغَامَرَةَ لَمْ تَنْتَهِ هُنَا. فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِمْ، وَاجَهُوا مُعَارِضِينَ لَمْ يَتَوَقَّعُوهُمْ.
كَانَ عُمْدَةُ الْبَلْدَةِ الْفَاسِدُ، الَّذِي كَانَ مُتَعَاوِنًا مَعَ شَرِكَةِ قَطْعِ الْأَشْجَارِ، قَدْ عَلِمَ بِمُحَاوَلَاتِهِمْ وَحَاوَلَ إِيقَافَهُمْ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ. كَانَ يُرْسِلُ أَتْبَاعَهُ لِمُطَارَدَتِهِمْ وَإِعَاقَةِ طَرِيقِهِمْ.

وَفَجْأَةً أُخْرَى، وَاجَهُوا خَطَرًا مِنْ نَوْعٍ آخَرَ. بَدَأَتْ حَيَوَانَاتُ الْغَابَةِ، الْغَاضِبَةُ بِسَبَبِ تَدْمِيرِ مَوْطِنِهَا، فِي مُهَاجَمَةِ الْأَطْفَالِ. كَانَتْ الْقُرُودُ تَصْرُخُ بِغَضَبٍ، وَالثَّعَالِبُ تُطَارِدُهُمْ بِحَذَرٍ. لَكِنَّ نُور، بِعِلْمِهَا الْوَاسِعِ بِالْحَيَوَانَاتِ وَلُغَتِهَا الْهَادِئَةِ، تَمَكَّنَتْ مِنْ تَهْدِئَتِهَا وَإِبْعَادِهَا عَنْهُمْ بِسَلَامٍ.
هَكَذَا، وَاجَهَ الْأَطْفَالُ الْأَرْبَعَةُ التَّحَدِّيَاتِ بِشَجَاعَةٍ وَتَعَاوُنٍ، وَتَعَلَّمُوا خِلَالَ مُغَامَرَتِهِمْ قِيمَةَ الْعِلْمِ وَالْوَحْدَةِ وَالْحِفَاظِ عَلَى الْبِيئَةِ. لَكِنَّ الْمُوَاجَهَةَ الْكُبْرَى كَانَتْ لَمْ تَزَلْ تَنْتَظِرُهُمْ!
بَعْدَ مَشَقَّةِ الرِّحْلَةِ وَتَخَطِّي كُلِّ الْعَقَبَاتِ، وَصَلَ الْأَطْفَالُ الْأَرْبَعَةُ أَخِيرًا إِلَى قَلْبِ الْغَابَةِ، إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ الْخَرِيطَةُ الْقَدِيمَةُ. كَانَ وَادِيًا صَغِيرًا يَخْتَبِئُ بَيْنَ تَلَّيْنِ شَاهِقَيْنِ، يَتَدَفَّقُ فِيهِ نَهْرٌ صَغِيرٌ بِخَرِيرٍ خَافِتٍ.
لَكِنْ! يَا لَلصَّدْمَةِ! لَمْ يَكُنِ الْمَشْهَدُ كَمَا تَوَقَّعُوا. سَمِعُوا ضَجِيجًا مُرْعِبًا يَقْتَرِبُ، وَرَأَوْا أَشْجَارًا ضَخْمَةً تَتَسَاقَطُ بِعُنْفٍ عَلَى الْأَرْضِ. الْجُرَافَاتُ الْهَائِجَةُ لِلشَّرِكَةِ الْجَشِعَةِ كَانَتْ قَدْ وَصَلَتْ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ السِّرِّيِّ وَبَدَأَتْ فِي قَطْعِ الْأَشْجَارِ دُونَ رَحْمَةٍ!
شَعَرَ الْأَطْفَالُ بِالْيَأْسِ وَالْخَوْفِ. هَلْ وَصَلُوا مُتَأَخِّرِينَ جِدًّا؟ هَلْ سَيَفْقِدُونَ الْغَابَةَ إِلَى الْأَبَدِ؟
لَكِنَّ لِيَا الْقَائِدَةَ الذَّكِيَّةَ سُرْعَانَ مَا اسْتَعَادَتْ رُوحَهَا الْمُعْنَوِيَّةَ. نَظَرَتْ إِلَى الْجِهازِ الْقَدِيمِ الَّذِي وَجَدُوهُ، وَقَالَتْ بِحَمَاسَةٍ: “يُوسُف! أَلَمْ تَقُلْ إِنَّكَ تَسْتَطِيعُ إِصْلَاحَ هَذَا؟ هَذِهِ فُرْصَتُنَا الْوَحِيدَةُ!”
بِسُرْعَةٍ وَبِبَرَاعَةٍ، بَدَأَ يُوسُفُ الْمُخْتَرِعُ الصَّغِيرُ فِي فَحْصِ الْجِهازِ وَتَرْمِيمِ أَجْزَائِهِ الْمُتَدَمِّرَةِ. كَانَتْ أَصَابِعُهُ الصَّغِيرَةُ تَعْمَلُ بِسُرْعَةٍ وَدِقَّةٍ عَجِيبَةٍ. وَبَعْدَ لَحَظَاتٍ قَلِيلَةٍ، صَدَرَ مِنَ الْجِهازِ صَوْتٌ خَفِيفٌ، ثُمَّ بَدَأَ يَعْمَلُ!
كَانَ الْجِهازُ يُطْلِقُ شُعَاعًا أَزْرَقَ اللَّوْنِ. بِتَوَجِيهٍ مِنْ يُوسُفَ، وَجَّهَ الْأَطْفَالُ الشُّعَاعَ نَحْوَ النَّهْرِ الصَّغِيرِ الَّذِي كَانَ يَتَدَفَّقُ بِقُرْبِهِمْ، وَكَانَتْ مِيَاهُهُ عِكْرَةً وَمُلَوَّثَةً بِمُخَلَّفَاتِ الشَّرِكَةِ. وَبِشَكْلٍ سِحْرِيٍّ، بَدَأَتِ الْمِيَاهُ تَتَحَوَّلُ تَدْرِيجِيًّا إِلَى صَافِيَةٍ وَنَقِيَّةٍ كَالْكَرِيسْتَالِ!
انْتَشَرَ خَبَرُ هَذَا الْحَدَثِ الْعَجِيبِ كَالنَّارِ فِي الْهَشِيمِ. وَصَلَ صَحَفِيُّونَ وَمُصَوِّرُونَ مِنْ كُلِّ حَدْبٍ وَصَوْبٍ لِتَغْطِيَةِ هَذَا الْحَدَثِ الْمُدْهِشِ. الْتَقَطُوا الصُّوَرَ وَأَجْرَوْا الْمُقَابَلَاتِ مَعَ الْأَطْفَالِ، الَّذِينَ شَرَحُوا لَهُمْ قِصَّةَ الْكَنْزِ وَمُغَامَرَتِهِمْ.
وَبِهَذَا الْفِعْلِ الْبَطُولِيِّ، أَثْبَتَ الْأَطْفَالُ أَنَّ الْغَابَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَجْمُوعَةٍ مِنَ الْأَشْجَارِ، بَلْ هِيَ مَوْطِنٌ لِلْحَيَاةِ وَمَصْدَرٌ لِلْمِيَاهِ النَّقِيَّةِ، وَأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْحِمَايَةَ.

وَلَمْ يَتَوَقَّفُوا عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ. بِحَمَاسَةٍ كَبِيرَةٍ، بَدَأَ الْأَطْفَالُ فِي زِرَاعَةِ الْبُذُورِ النَّادِرَةِ الَّتِي وَجَدُوهَا، وَسَاعَدَهُمْ فِي ذَلِكَ أَهَالِي الْبَلْدَةِ الَّذِينَ تَأَثَّرُوا بِشَجَاعَتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ. تَوَحَّدَ الْجَمِيعُ لِإِعَادَةِ الْحَيَاةِ إِلَى الْأَرْضِ الْمُتَضَرِّرَةِ.
هَكَذَا، وَقَفَ الْأَطْفَالُ الْأَرْبَعَةُ فِي وَسَطِ الْوَادِي، يُشَاهِدُونَ بِفَخْرٍ وَهُمْ يُعِيدُونَ الْأَمَلَ إِلَى الْغَابَةِ، بَيْنَمَا كَانَتْ عُيُونُ الْعَالَمِ تَتَّجِهُ نَحْوَهُمْ بِإِعْجَابٍ وَتَقْدِيرٍ. لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الذُّرْوَةُ، لَحْظَةُ الْحَقِيقَةِ وَالِانْتِصَارِ!
بَعْدَ انْتِشَارِ قِصَّةِ الْأَطْفَالِ الْبَوَاسِلِ وَالْأَثَرِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَحْدَثُوهُ بِتَنْقِيَةِ النَّهْرِ وَزِرَاعَةِ الْبُذُورِ، لَمْ يَعُدْ بِإِمْكَانِ أَحَدٍ تَجَاهُلَ مَا حَدَثَ. تَحَرَّكَتِ السُّلُطَاتُ الْمُخْتَصَّةُ بِسُرْعَةٍ، وَأَرْسَلَتْ مُفَتِّشِينَ لِتَقْيِيمِ الْأَضْرَارِ الَّتِي أَحْدَثَتْهَا الشَّرِكَةُ الْجَشِعَةُ.
وَبَعْدَ تَحْقِيقٍ شَامِلٍ، تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرِكَةَ قَامَتْ بِأَعْمَالٍ مُخَالِفَةٍ لِلْقَانُونِ وَأَلْحَقَتْ أَضْرَارًا بِيئِيَّةً كَبِيرَةً. نَتِيجَةً لِذَلِكَ، صَدَرَتْ أَوْامِرُ فَوْرِيَّةٌ بِوَقْفِ عَمَلِيَّاتِ قَطْعِ الْأَشْجَارِ، وَتَمَّ مُحَاسَبَةُ الْمُتَسَبِّبِينَ فِي هَذَا الدَّمَارِ.
وَالْأَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَبِفَضْلِ جُهُودِ الْأَطْفَالِ وَدَعْمِ أَهَالِي الْبَلْدَةِ وَالرَّأْيِ الْعَامِّ، صَدَرَ قَرَارٌ رَسْمِيٌّ بِإِعْلَانِ الْغَابَةِ مَحْمِيَّةً طَبِيعِيَّةً. أَصْبَحَتِ الْغَابَةُ كَنْزًا وَطَنِيًّا يَجِبُ الْحِفَاظُ عَلَيْهِ لِلْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ.
أَمَّا الْأَطْفَالُ الْأَرْبَعَةُ، فَقَدْ أَصْبَحُوا أَبْطَالًا بِيئِيِّينَ فِي نَظَرِ الْجَمِيعِ. تَنَاقَلَتِ الْأَخْبَارُ قِصَصَ شَجَاعَتِهِمْ وَذَكَائِهِمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَلَمْ يَتَوَقَّفُوا عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ، بَلْ قَرَّرُوا تَأْسِيسَ نَادٍ لِحِمَايَةِ الْبِيئَةِ فِي مَدْرَسَتِهِمْ. انْضَمَّ إِلَى النَّادِي الْعَشَرَاتُ مِنَ الطُّلَّابِ الْمُتَحَمِّسِينَ، وَبَدَأُوا فِي تَنْظِيمِ حَمَلَاتِ تَوْعِيَةٍ وَتَشْجِيعِ إِعَادَةِ التَّدْوِيرِ وَزِرَاعَةِ الْأَشْجَارِ فِي الْمَدْرَسَةِ وَالْمُجْتَمَعِ.
وَهَكَذَا، أَثْبَتَ هَؤُلَاءِ الْأَطْفَالُ الصِّغَارُ بِفِعْلِهِمُ الْعَظِيمِ أَنَّ الْكَنْزَ الْحَقِيقِيَّ لَيْسَ الذَّهَبَ وَالْجَوَاهِرَ، بَلْ هُوَ الطَّبِيعَةُ الْخَلَّابَةُ وَالْبِيئَةُ السَّلِيمَةُ الَّتِي تَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا. كَمَا عَلَّمُوا الْجَمِيعَ أَنَّ الْعَمَلَ الْجَمَاعِيَّ وَالْإِيمَانَ بِالْقُدْرَةِ عَلَى التَّغْيِيرِ يُمْكِنُ أَنْ يَصْنَعَا الْمُعْجِزَاتِ وَيُغَيِّرَا الْعَالَمَ إِلَى الْأَفْضَلِ.
وَبَعْدَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ، عَادَتِ الْغَابَةُ أَكْثَرَ جَمَالًا وَازْدِهَارًا. كَانَتِ الْأَشْجَارُ النَّادِرَةُ الَّتِي زَرَعَهَا الْأَطْفَالُ قَدْ كَبُرَتْ وَأَضْفَتْ عَلَى الْمَكَانِ سِحْرًا خَاصًّا. وَكَانَ الْأَطْفَالُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَدْ أَصْبَحُوا شَبَابًا يَافِعِينَ، يَقُومُونَ بِرِوَايَةِ قِصَّتِهِمْ الْمُلْهِمَةِ لِلْأَجْيَالِ الْجَدِيدَةِ، مُذَكِّرِينَهُمْ دَائِمًا بِأَنَّ الْقُوَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَكْمُنُ فِي الْحِفَاظِ عَلَى كُنُوزِ الْأَرْضِ وَالْعَمَلِ مَعًا لِمُسْتَقْبَلٍ أَفْضَلَ.
جمبع الحقوق محفوظة للكاتب
الكاتب : عماد إيلاهي