Contents
تحليل امتحان السيزيام الفرنسية 2025: بين طموح الأدب وتعقيدات التقييم
يُعد امتحان مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية (السيزيام) محطةً تربوية حاسمة في مسار التلميذ التونسي، حيث تتلاقى فيها رهانات التقييم البيداغوجي مع تطلّعات المتعلّم نحو التميز. ولئن اختارت وزارة التربية، في امتحان مادة الفرنسية لسنة 2025، نصًا مستلهمًا من الرواية المعاصرة Le Grand Jaguar للكاتبة Sonia K. Laflamme، فإن هذا الاختيار – وإن بدا مغريًا من حيث الشكل – يطرح أسئلة بيداغوجية جوهرية حول مدى ملاءمة المضامين والتقنيات مع الفئة العمرية المستهدفة.
نقاط القوة: نزعة أدبية ولمسة من المغامرة
أول ما يُلفت في هذا الامتحان هو اختيار النص الروائي الذي يبتعد عن النمطية التعليمية الجافة، ويقترح على التلميذ مغامرةً في قلب الغابة بحثًا عن أسرار حضارة المايا. إنّ البعد التخييلي المشوّق، والأجواء الاستكشافية التي تجمع بين ثلاثة أطفال في رحلة غامضة، يساهم في إثارة خيال المتعلم وتحفيزه على القراءة والمتابعة.
من جهة أخرى، تتّسم بنية الامتحان بالتنوع والصرامة التنظيمية، إذ يُقسم إلى محاور واضحة: فهم النص، قواعد اللغة، التصريف، والإنتاج الكتابي، في توزيع متوازن يراعي الجوانب المختلفة للكفاية اللغوية. وقد تميزت بعض الأسئلة، خصوصًا تلك المفتوحة، بمحاولة إدماج رأي المتعلم (مثل سؤال: “هل توافق على اقتراح Jeanne؟”)، ما يُكسب الامتحان بعدًا تفاعليًا محمودًا.
نقاط الضعف: فجوة بين النص والمتعلم
غير أن هذا الامتحان، رغم وجاهة نواياه، لم يسلم من هنات جوهرية تجعلنا نعيد التفكير في فلسفة التقييم نفسها. فالنص الروائي – وإن كان ممتعًا للقراء الراشدين – يتجاوز السقف المعجمي والذهني الذي يستطيع تلميذ في سن الثانية عشرة استيعابه بسهولة. تراكيب مثل «s’élancèrent», «ébaucha quelques esquisses», «un homme le toisa d’un air sévère» قد تربك القارئ الناشئ وتدفعه إلى الاستسلام، بدل الاكتشاف.
أما من حيث التمارين اللغوية، فقد طُرحت بطريقة تتطلب مستوى من التجريد والتركيب يتجاوز ما تتيحه البرامج الرسمية للتعليم الابتدائي. فتمييز المكملات (الضرورية، الزمانية، بطريقة الأداء) أو تحويل الجمل بين الضمائر والمبني للمجهول، كلها مهارات تنتمي أكثر إلى الطور الإعدادي منها إلى نهاية التعليم الابتدائي. إنّ التلميذ، هنا، مطالبٌ ليس فقط بفهم النص، بل بإتقان جملة من القواعد المعقدة دون تمكين زمني أو معرفي كافٍ.
بين الواقعية والطموح: دعوة إلى المراجعة
إن هذا الامتحان يكشف عن طموح محمود في الارتقاء بمستوى المتعلم اللغوي والأدبي، لكنه يغفل في الآن ذاته مقتضيات الواقعية التربوية. فلا فائدة تُرجى من امتحان جميل الشكل، بليغ النص، إن كان يفترض نضجًا لغويًا لم ينمُ بعد، ومعجمًا لم يُكتسب بعد، وخيالًا لم يُروَ بعد.
لذلك، ندعو إلى إعادة النظر في معايير اختيار النصوص، بحيث تكون جذابة دون أن تكون معقدة، أدبية دون أن تكون نخبوية، ومكيفة مع الحصيلة الفعلية للمتعلم. كما نرى ضرورة اعتماد تدرج منطقي في التمارين، من البسيط إلى المعقد، لضمان العدالة البيداغوجية بين المتعلمين.
الأدب لا يعلّم بالعنف اللغوي
في نهاية المطاف، يظلّ الأدب وسيلةً بيداغوجية رائعة إذا أُحسن توظيفه. لكنّه قد يتحوّل إلى عبء إذا استُخدم أداة لقياس فوقيّة لا تراعي سنّ المتعلم ولا خبرته. فلنعلّم أطفالنا أن يحبّوا النص لا أن يخافوه، أن يعيشوا المغامرة لا أن يهربوا منها، أن يكتبوا بلغتهم لا بلغةٍ لا زالوا يتعلمونها.
اليكم الامتحان



