جميع الحقوق محفوظة لعماد إيلاهي. يُمنع نسخ أو إعادة نشر أي جزء من هذا الموقع بأي وسيلة دون إذن كتابي مسبق.

مسرحية “الغرفة المغلقة”

مسرحية

الغرفة المغلقة

الفصل الأول:

 الاستيقاظ في المجهول

المشهد الأول – “الغموض”

(ضوء خافت يتسلل إلى غرفة مغلقة ذات جدران رمادية باردة، خالية من النوافذ، بابها من معدن ثقيل لا يحمل مقبضًا واضحًا. على الأرض، ثلاث شخصيات مستلقية في وضعيات عشوائية، وكأنهم أسقطوا هنا بلا إرادة. صمت مطبق، سوى صوت أنفاس مضطربة، ثم حركة بطيئة، وكأن الحياة تعود إلى الأجساد تدريجيًا.)

(آدم ينهض أولًا، يضع يده على رأسه، يتأمل الجدران بعيون مترنحة، يتجه نحو الباب، يدفعه بلا جدوى.)

آدم (بصوت خافت متردد): أين…؟ ما هذا المكان؟

(تتحرك ليلى ببطء، تتلمس الأرض من حولها كأنها تتأكد من أنها ليست في حلم، ثم ترفع رأسها وتنظر حولها بذعر.)

ليلى (بهمس متسارع): ماذا… ماذا يحدث؟

(يصدر سالم تأوهًا وهو يستقيم جالسًا، ينظر إليهما بارتباك، ثم إلى الجدران العالية المحيطة بهم، يزفر ساخرًا.)

سالم (مبتسمًا بسخرية مريرة): حسنًا… هذا ليس ما كنت أتوقعه بعد ليلة صاخبة.

(تتقدم ليلى بسرعة نحو الباب، تضع يديها عليه وتحاول فتحه بكل قوتها. آدم يشاركها المحاولة، يدفع بكتفه، لكن الباب لا يتحرك.)

ليلى (بصوت يختلط فيه الرعب بالإنكار): يجب أن يكون هناك مخرج… هذا عبث!

آدم (بهدوء ظاهر يخفي ارتباكه): لا نعلم شيئًا بعد… علينا أن نهدأ.

سالم (ضاحكًا بمرارة، وهو يتكئ على الجدار): حسنًا، عباقرة، من منكم تذكر كيف وصلنا إلى هنا؟

(يصمت الجميع. نظرات متبادلة، وجوه شاحبة. يحاول كل منهم البحث في ذاكرته، لكن الفراغ هو كل ما يجدونه.)

ليلى (بصوت منخفض، وكأنها تتحدث إلى نفسها): لا أتذكر… لا شيء… كيف…؟

آدم (متجهّمًا، متأملًا في الفراغ): هذا ليس طبيعيًا.

سالم (بابتسامة جانبية ساخرة): حسنًا، واضح أننا في حفلة سيئة التنظيم.

ليلى (غاضبة، تلتفت نحوه بعينين مليئتين بالشكوك): وأنت؟ ماذا فعلت بنا؟

سالم (يضحك وهو يرفع يديه مستسلمًا): أوه، بدأنا بإلقاء الاتهامات؟ حسنًا، إن كنتِ تظنين أنني خطفت نفسي معكما ووضعنا في غرفة مغلقة، فأنتِ تمنحيني ذكاءً لا أستحقه.

آدم (مقاطعًا، محاولًا التهدئة): لا فائدة من الاتهامات الآن. يجب أن نفكر… من الممكن أن يكون هناك تفسير منطقي.

ليلى (بحدة، وهي تعود إلى الباب وتبدأ بضربه بقبضتها): من هناك؟! افتحوا لنا!

(لا إجابة. الصمت يبتلع المكان، كأن لا أحد يسمعهم، أو ربما كأن العالم خارج هذه الجدران لم يعد موجودًا.)

سالم (بصوت هادئ لكنه مشوب بالتوتر): أليس غريبًا… أن لا يكون هناك أحد؟ لا صوت، لا حركة… لا شيء؟

(يخيم الصمت من جديد، لكنه هذه المرة أكثر ثقلاً. نظرات متبادلة، خوف خفي، وإحساس مرعب بأن هذه الغرفة قد تكون أكثر من مجرد جدران مغلقة.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الأول.

المشهد الثاني – “التعارف القسري”

(إضاءة خافتة، تُلقي ظلالًا طويلة على الجدران الصامتة. الثلاثة جالسون على الأرض، متباعدين بعض الشيء، وكأن مسافة غير مرئية تفصل بينهم. تتردد أنفاسهم في الفراغ، وتملأه رهبةٌ غير مفهومة. آدم متكئ على الجدار، يحدّق في نقطة غير مرئية أمامه، ليلى تضم ساقيها إلى صدرها، عيناها شاردتان، بينما سالم مستلقٍ على ظهره، ينظر إلى السقف كأنما يراقب شيئًا غير موجود.)

سالم (مغمض العينين، بنبرة ساخرة متكاسلة): حسنًا، بما أننا عالقون هنا، فلنجعل الأمر أقل مللًا… من يريد أن يبدأ بالتعريف عن نفسه؟

(لا أحد يجيب. آدم يبقى صامتًا، ليلى تحدّق في الأرض، بينما سالم يبتسم بإحباط.)

سالم (يصفق يديه بصوت خافت، ساخرًا): لا أحد؟ حسنًا، سأبدأ أنا… اسمي سالم، رجل بسيط يحب الحياة، ويبدو أنني أصبحتُ بطلًا في مسرحية عبثية دون أن أختار ذلك.

ليلى (تحدّق فيه بحدة، صوتها حاد مشوب بالقلق): وهل تعرف أي شيء عن هذا المكان؟

سالم (مبتسمًا وهو يشبك يديه خلف رأسه): للأسف، لا أملك مفاتيح هذا السجن، لو كنت أملكها لما كنت هنا معكما الآن.

آدم (بهدوء، لكن بجدية واضحة): من الأفضل أن نركز على ما نعرفه. ما هو آخر شيء تتذكره؟

(يصمت سالم للحظة، ينظر إلى السقف وكأنه يحاول أن يستحضر ذاكرة مفقودة، ثم يهز كتفيه بلا مبالاة.)

سالم (بصوت هادئ لكنه يحمل قلقًا دفينًا): لا شيء… الفراغ فقط. وكأنني كنتُ نائمًا واستيقظت هنا.

آدم (مغمغمًا، وكأنه يكلم نفسه): نفس الشيء… لا أتذكر كيف وصلت.

ليلى (بصوت مهتز، يفيض بالتوتر): لا يمكن… هذا غير منطقي! لا بد أن هناك شيئًا! أي تفصيلة، أي ذكرى!

سالم (ينظر إليها بفضول، يرفع حاجبيه مستفزًا): وأنتِ؟ ماذا تتذكرين يا آنسة الذعر؟

ليلى (غاضبة، ترفع رأسها بعينين ممتلئتين بالاضطراب): لا شيء! الفراغ… مجرد فراغ!

(تنهض بغضب، تبدأ بالسير في الغرفة ذهابًا وإيابًا، وكأن الحركة تمنحها وهم السيطرة.)

آدم (بنبرة تحليلية، محاولًا السيطرة على الوضع): حسنًا، هذا يعني أننا مشتركون في هذه الحالة… لا أحد منا يتذكر كيف وصل إلى هنا.

سالم (ساخرًا، وهو يجلس متكئًا على مرفقه): أو ربما… لا يريد أحدنا أن يتذكر؟

ليلى (متوترة، تلتفت إليه بحدة): ماذا تقصد؟

سالم (بابتسامة جانبية، وكأنه يستمتع بإلقاء الشكوك): مجرد احتمال… ربما أحدنا مسؤول عن هذا كله.

(صمت ثقيل. آدم يراقب سالم ببرود، وليلى تحدّق فيه بغضب ممزوج بالخوف. الجو يصبح أكثر توترًا.)

آدم (بنبرة حاسمة، ليكسر التصعيد): لا جدوى من الشكوك الآن. دعونا نركز على شيء يمكننا التحكم فيه… مثل فهم شخصيات بعضنا البعض.

ليلى (مترددة، لكنها تحاول التماسك): حسنًا… اسمي ليلى. لا أعرف ماذا أقول أكثر… لا أعرف حتى إن كنتُ حقًا ليلى.

سالم (يبتسم بتهكم، يصفق يديه ببطء): عميق جدًا.

آدم (يتجاهل تعليق سالم، بصوت هادئ ثابت): آدم.

ليلى (تنظر إليه، كأنها تبحث عن شيء في وجهه): وهل تتذكر شيئًا عن حياتك؟ عن نفسك؟

آدم (بهدوء، كأنه يفكر في الكلمات قبل أن ينطق بها): أتذكر… شعورًا، وليس ذكرى. كأنني كنتُ دائمًا أبحث عن شيء… ولم أجده أبدًا.

سالم (يهز رأسه ضاحكًا، ثم ينظر إليهما بمكر): رائع، نحن إذن ثلاثة مفقودين في فراغ… لا ذكريات، لا طريق للخروج، ولا حتى يقين بأننا أحياء.

ليلى (بهمس خافت، وكأنها تتحدث إلى نفسها): هل نحن أحياء فعلًا؟

(يصمت الجميع. السؤال يظل معلقًا في الهواء، بلا إجابة. الفراغ من حولهم يبدو وكأنه يتمدد، يبتلع يقينهم شيئًا فشيئًا.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الثاني.

المشهد الثالث – “أول محاولة للهروب”

(إضاءة خافتة تهتز كأنها على وشك الانطفاء. الظلال تمتد على الجدران العارية، تضخم الإحساس بالضيق. الغرفة تبدو أضيق مما كانت عليه قبل لحظات. آدم يقف قرب الباب، يمرر يديه عليه ببطء كمن يبحث عن صدع مخفي، بينما ليلى تتحرك في أرجاء الغرفة بقلق، وسالم يراقب المشهد من بعيد، متكئًا على الجدار بذراعين متشابكتين.)

آدم (بصوت متزن لكنه متوتر تحت السطح): هذا الباب… مصنوع من معدن ثقيل، لا يحتوي على مقبض أو أي وسيلة واضحة لفتحه من الداخل.

ليلى (بحدة، وهي تمرر يدها على الجدار باضطراب): لا نوافذ، لا فتحات، لا شيء… هذا ليس طبيعيًا!

سالم (بابتسامة ساخرة، يربت على الجدار بيده): حسنًا، لا شيء طبيعي هنا، آنسة ليلى. نحن في صندوق بلا مفتاح، لا مدخل ولا مخرج… وكأننا مجرد فكرة محبوسة في عقل شخص آخر.

آدم (ملتفتًا إليه، بنظرة حادة): لا وقت للفلسفة الآن. علينا أن نجد طريقًا للخروج.

(يقترب من الباب، يضع كتفه عليه ويحاول دفعه بكل قوته. لا يتحرك. يحاول مجددًا، يضغط أكثر، لكن الباب يظل ثابتًا كالجدار نفسه. يتراجع وهو يلهث قليلًا.)

ليلى (تنظر إليه بقلق، تتجه نحوه): دعني أساعدك.

(تقف بجانبه، تحاول دفع الباب معه، لكن دون جدوى. سالم يراقبهما للحظة، ثم يزفر وهو يقترب بكسل.)

سالم (مبتسمًا بتهكم): حسنًا، يبدو أن القوة الغاشمة ليست الحل. دعوني أجرب شيئًا آخر.

(يطرق الباب بأصابعه، ثم يضع أذنه عليه كمن يحاول الاستماع إلى شيء ما في الجهة الأخرى. الجميع يراقبه بصمت.)

آدم (مستغربًا، لكنه مهتم): هل تسمع شيئًا؟

(لحظة صمت. سالم يبعد رأسه عن الباب، يبتسم ابتسامة خفيفة، لكن عينيه تحملان قلقًا مبهمًا.)

سالم (بصوت منخفض): لا شيء… وهذا هو الشيء المخيف.

ليلى (بهمس مرتعش): لا شيء؟ لا صوت؟ لا حركة؟

سالم (يهز رأسه، بنبرة أكثر جدية هذه المرة): كأن هذا المكان لا ينتمي إلى أي مكان… كأنه معزول عن العالم.

(يصمت الثلاثة. الجو يزداد ثقلًا. فجأة، في اللحظة التي تبدأ فيها ليلى بالابتعاد عن الباب… يُسمع صوت!)

(صوت غريب، منخفض، كهمسة تأتي من مكان غير محدد، لكنه ليس مجرد همس بشري. إنه صوت معدني، كصدى يتردد في الفراغ، لكنه بلا مصدر واضح.)

الصوت (بهدوء بارد، مجرد من العاطفة): ليس هناك مخرج…

(تتجمد ليلى في مكانها، تتسع عيناها رعبًا. آدم يلتفت بسرعة نحو الباب، سالم يتراجع خطوة، لكنه يخفي ارتباكه خلف ابتسامة باهتة.)

ليلى (بصوت مختنق، بالكاد تخرج الكلمات من فمها): هل… هل سمعتم ذلك؟

آدم (بصوت حازم، لكنه منخفض): نعم…

سالم (محاولًا السيطرة على توتره، بنبرة ساخرة لكنها مهتزة قليلًا): حسنًا… هذا بالتأكيد ليس شيئًا كنت أتوقعه في يومي العادي.

آدم (بصوت جاد، يحاول تحليل الموقف منطقيًا): الصوت لم يأتِ من الباب… لم يكن له مصدر محدد.

ليلى (تلتفت حولها، وكأنها تشعر أن الجدران نفسها تتحدث): من هناك؟! من يتحدث؟!

(لا إجابة. الصمت يعود ليبتلع الغرفة مرة أخرى، لكن هذه المرة، لم يعد مجرد صمت… أصبح حضورًا غامضًا، ثقيلًا، أشبه بنظرة خفية تراقبهم من مكان لا يُرى.)

سالم (يضع يديه في جيبيه، يتنهد وكأنه يحاول تهدئة نفسه): حسنًا، هذا ممتع… محاصرون في غرفة بلا مخرج، وأصبح لدينا الآن صوت أشبه بشبح فلسفي يخبرنا أننا عالقون. شيء رائع.

آدم (يتجاهل تعليق سالم، يفكر بصوت عالٍ): الصوت قال: “ليس هناك مخرج”… هل هذا تحذير؟ أم تهديد؟ أم… حقيقة؟

ليلى (تهز رأسها بعنف، غير قادرة على تقبل الفكرة): لا! لا يوجد مكان بلا مخرج… يجب أن يكون هناك طريقة!

(تبدأ بالبحث بجنون، تطرق على الجدران، تمرر يديها على كل سطح وكأنها تتوقع أن تجد بابًا خفيًا. آدم يراقبها بقلق، سالم يهز رأسه لكنه لا يمنعها.)

سالم (بصوت هادئ غير معهود فيه، وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يتحدث إليهما): أم ربما… المخرج ليس لنا؟

*(يتوقف الجميع عن الحركة للحظة. فكرة غير مريحة تتسلل إلى عقولهم، لكن لا أحد يجرؤ على قولها بصوت عالٍ. يظل المشهد ساكنًا للحظة، ثم…)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الثالث.

الفصل الثاني:

 تصدّع العلاقات

المشهد الأول – “التوتر يتصاعد”

(إضاءة خافتة، أقوى بقليل من ذي قبل، لكنها ما زالت تلقي ظلالًا طويلة على الجدران، كأنها تراقب ما يحدث. آدم جالس عند الباب، يفكر بصمت، بينما ليلى تتحرك في أرجاء الغرفة بقلق واضح، تارة تضم ذراعيها إلى صدرها، وتارة تشبك أصابعها ببعضها بعصبية. سالم يجلس مسترخيًا على الأرض، متكئًا على الجدار بوجه خالٍ من التعبير، لكنه يراقب كل شيء بعيونه الحادة.)

ليلى (بصوت مرتجف لكنه حاد): لا أستطيع تحمّل هذا أكثر! لا يمكن أن نكون هنا بلا سبب!

سالم (بهدوء مستفز، وهو ينظر إلى أظافره وكأنه غير معني بالأمر): وأخيرًا، بدأنا نطرح الأسئلة المهمة.

ليلى (تلتفت إليه بغضب، تعقد ذراعيها بقوة): وأنت؟ ألا تجد هذا غريبًا؟ ألا يثير فيك شيئًا غير السخرية؟

سالم (مبتسمًا ببرود، وهو يتكئ برأسه على الجدار): أوه، أثار الكثير، لكن لا فائدة من الصراخ في فراغ لا يسمعنا.

ليلى (تتقدم نحوه، تشير إليه بإصبعها بانفعال): ربما لأنك تعرف أكثر مما تخبرنا!

سالم (يرفع حاجبيه، وكأن الاتهام ممتع بالنسبة له): حسنًا، ها نحن ذا… مرحلة الشكوك المتبادلة. كنت أنتظرها.

آدم (بهدوء لكنه حازم، يحاول التدخل قبل أن يتصاعد الموقف أكثر): لا جدوى من توجيه الاتهامات… نحن في هذا معًا، وعلينا أن نتصرف بعقلانية.

ليلى (تستدير نحوه، بإحباط واضح): عقلانية؟ نحن محاصرون هنا بلا مخرج، بلا ذاكرة، وبلا أي فكرة عن السبب! ثم… ثم يظهر صوت من العدم ليقول لنا إنه “لا يوجد مخرج”! هل هذا يبدو منطقيًا لك؟

سالم (يضرب الأرض بكفه ببطء، كما لو كان يصفق بسخرية): حجة قوية، لا يمكنني إنكارها.

ليلى (تلتفت إليه مجددًا، وصوتها يزداد حدة): كفى! أنت تتعامل مع كل هذا وكأنه… لعبة! وكأنك… تعرف ما يحدث!

سالم (يضحك بهدوء، لكنه ينظر إليها بنظرة باردة هذه المرة): يا إلهي، كم أحب هذا… الشعور بالخطر، تلك النظرات المشحونة بالخوف… الشكوك التي تتحول إلى غضب. إنه مشهد كلاسيكي، لكنه لا يفقد تأثيره أبدًا.

آدم (يقترب قليلًا، بصوت منخفض لكنه حازم): سالم… ليس هذا وقت الاستفزاز.

ليلى (تصيح غاضبة، وهي تشير إليه مجددًا): بل هو يعرف شيئًا! أو ربما… هو السبب في أننا هنا!

سالم (يبتسم، ثم ينظر إليها نظرة مباشرة ومخيفة بعض الشيء): وإن كنت أنا السبب؟ ماذا ستفعلين؟

(لحظة صمت مشحونة. عينا ليلى تشتعلان غضبًا، أنفاسها متسارعة. آدم يراقب المشهد بقلق، يحاول قراءة نوايا سالم، الذي لا تزال ملامحه غامضة.)

آدم (بصوت منخفض لكنه ذو وزن ثقيل): لا أحد منا يعرف لماذا نحن هنا… لكن إن بدأنا بمهاجمة بعضنا البعض، سنمنح هذا المكان السلطة علينا.

ليلى (بصوت حاد، غير مقتنعة): إذن ماذا؟ نبقى صامتين؟ نقبل بهذا الوضع وكأنه… طبيعي؟

سالم (بابتسامة بطيئة، لكنه هذه المرة يبدو أكثر جدية من ذي قبل): بل نسأل السؤال الأهم، ليلى… إن لم يكن أحدنا السبب في وجودنا هنا، فمن إذن؟

(تصمت ليلى فجأة، تنظر إليه، ثم إلى آدم، ثم إلى الجدران، وكأنها أدركت أن العدو قد لا يكون أحدهم، بل شيء آخر… شيء أكبر.)

(لحظة من السكون الثقيل. الجدران تبدو أقرب، الغرفة تصبح أكثر ضيقًا، والهواء أكثر ثقلًا.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الأول.

المشهد الثاني – “كشف الأسرار”

(إضاءة خافتة، لكنها أكثر توترًا، كأنها تترصد انفجار الحقيقة. الجو داخل الغرفة مشبع بالإرهاق، بالكلمات غير المعلنة، وبالشكوك المتزايدة. الثلاثة يجلسون على الأرض، دوائرهم لم تعد مترابطة، بل متباعدة، وكأن كل واحد منهم قد بدأ في بناء جدار خفي حوله.)

ليلى (بصوت منهك، لكنها لا تزال تحمل نبرة التحدي): لا يمكن أن نكون هنا بلا رابط… لا يمكن أن يكون هذا صدفة.

سالم (يميل برأسه للخلف، يتأمل السقف، وكأنه غير مهتم، لكن صوته يحمل وزنًا أكثر مما يبدو عليه): الروابط… مثيرة للاهتمام. أحيانًا نكون أكثر ارتباطًا بالآخرين مما نرغب في الاعتراف به.

آدم (بهدوء لكنه متوتر قليلًا): ماذا تقصد؟

سالم (يبتسم ابتسامة خفيفة، لكنه لا يرد مباشرة، بل ينظر إلى ليلى بنظرة جانبية): ربما ينبغي لليلى أن تخبرنا أولًا.

ليلى (تتجمد قليلًا، وكأنها توقعت ذلك، لكنها تحاول أن تبقي تعابيرها ثابتة): لا أفهم ما تعنيه.

سالم (يميل للأمام، صوته أكثر انخفاضًا، لكنه محمل بحدة خفية): أعتقد أنك تفهمين جيدًا، ليلى. نحن لسنا غرباء بالكامل، أليس كذلك؟

(آدم ينظر بينهما، يشعر أن هناك شيئًا خفيًا يجري أمامه.)

آدم (بصوت حذر): ليلى… ما الذي يخفيه كلامه؟

(تأخذ ليلى نفسًا عميقًا، تشد يديها إلى صدرها للحظة، ثم تنظر إلى آدم مباشرة.)

ليلى (بصوت متردد لكنه ثابت): كنت… كنت على علاقة بأحدكما.

(لحظة صمت ثقيلة. سالم يبتسم ابتسامة صغيرة، كأنه غير متفاجئ. آدم يحدق بها، وكأنه يحاول تحليل الكلمات في رأسه قبل أن يستوعبها.)

آدم (بصوت منخفض، بالكاد يُسمع): ماذا؟

سالم (يميل إلى الخلف، يضع يديه خلف رأسه، وكأنه يستمتع بالمشهد): حسنًا، هذا يضيف لمسة درامية مثيرة… استمري، ليلى.

ليلى (بصوت مختنق قليلًا، لكنها تحاول الحفاظ على رباطة جأشها): لم أكن أعلم أنكما… تعرفان بعضكما. لم أخطط لهذا. لم يكن الأمر… مقصودًا.

آدم (يبدأ يفهم، يزفر ببطء، وكأن الهواء أصبح أثقل في رئتيه): من… من بيننا؟

ليلى (تخفض نظرها، ثم ترفعه ببطء، وتنظر مباشرة إلى آدم): كنتَ أنت.

(آدم يحدق بها، لا يقول شيئًا. عينيه تحملان خليطًا من المفاجأة، الخيبة، وربما شيء أعمق لا يستطيع التعبير عنه. سالم يضحك بهدوء.)

سالم (بصوت متهكم لكنه يحمل شيئًا من التقدير لمكر ليلى): أوه، هذه لحظة رائعة… لكن، ليلى، أنتِ لا تخبرين القصة كاملة، أليس كذلك؟

ليلى (بحدة، وهي تنظر إليه بغضب): وماذا عنك؟ أنت آخر شخص يمكنه إلقاء اللوم!

سالم (يرفع حاجبيه، يتظاهر بالدهشة): أنا؟ لا شيء سوى متفرج على دراما مشوقة.

آدم (بصوت منخفض، لكنه يحمل صرامة مخفية تحت سطحه الهادئ): سالم… ما الذي تعرفه؟

سالم (يميل للأمام قليلًا، يضع مرفقيه على ركبتيه، ويبتسم ابتسامة خالية من أي دفء): حسنًا… بما أن الليلة ليلة اعترافات، فلنقل إنني لم أكن دائمًا الشخص الأكثر نزاهة في الغرفة.

ليلى (بسخرية حادة): هذه ليست مفاجأة.

سالم (يضحك، ثم يكمل بجدية أكبر): لقد كنت بارعًا في شيء واحد… التلاعب. لعبت بأفكار الآخرين، بمشاعرهم… كنت أختبرهم، أرى إلى أي مدى يمكن دفعهم قبل أن ينهاروا.

آدم (ينظر إليه باشمئزاز واضح): هذا ليس شيئًا تفخر به.

سالم (بصوت هادئ لكنه يحمل ظلًا مظلمًا تحته): لم يكن الأمر فخرًا، بل… تجربة. والآن، يبدو أن شخصًا ما قرر أن يضعنا نحن الثلاثة في تجربة أخرى… لكن هذه المرة، لست أنا من يُمسك بالخيوط.

ليلى (تهمس، وكأنها تتحدث إلى نفسها أكثر من أي شخص آخر): نحن هنا بسبب أخطائنا…

(آدم ينظر إليها، ثم إلى سالم، ثم إلى نفسه، وكأن شيئًا في داخله بدأ يتشكل، لكن لم يحن الوقت للكشف عنه بعد. الجو في الغرفة أصبح مشحونًا أكثر من أي وقت مضى، كأن الحقيقة نفسها بدأت تضيق عليهم الخناق.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الثاني.

المشهد الثالث – “رسالة غامضة”

(الإضاءة الآن أكثر ظلمة، مع توهج خفيف حول الحواف، وكأن الغرفة نفسها بدأت تُظهر علامات القلق. يبدو أن الجميع في حالة تأهب، كل واحد منهم يراقب الآخر عن كثب، كل خطوة أو همسة تحمل شيئًا من الشك. الجدران القاسية، التي كانت لوقت طويل مجرد حدود ضيقة، أصبحت الآن مركزًا لانكشاف شيء جديد، شيء غامض.)

(بينما يسود الصمت الثقيل في الغرفة، يحدث شيء مفاجئ. يظهر نص مكتوب على الجدار الخلفي، في زاوية الظل، ويبدأ الحروف في الظهور كما لو كانت تُكتب أمام أعينهم.)

آدم (ينظر إلى الجدار بتركيز، ثم يهمس بصدمة): هل… هل ترون ما أراه؟

ليلى (تسحب نفسها بعيدًا عن الجدار، عيناها مملوءتان بالدهشة والخوف): لا… لا أصدق… ما هذا؟

(تظهر الكلمات ببطء على الجدار، كما لو كانت تظهر من فراغ، لكن لا صوت يأتي معها. الكلمات تتراقص في الهواء، واضحة، لكنها غريبة.)

النص على الجدار: “المفتاح ليس في الخارج.”

(تتجمد ليلى وسالم وآدم في مكانهم، بينما يحدقون في الكلمات التي ظهرت أمامهم، يراها كل واحد منهم بطريقته الخاصة.)

سالم (مبتسم ابتسامة ساخرة، يخطو نحو الجدار بحذر، يميل رأسه نحو الكتابة): “المفتاح ليس في الخارج”. لم أكن أعتقد أننا سنحصل على تعليمات مباشرة، لكن هذه مفاجأة جديدة.

آدم (بصوت منخفض، وكأن الكلمات تحمل عبئًا ثقيلاً عليه): لا… هذا ليس مجرد تعليمات. هذه رسالة… دعوة لفهم شيء أعمق.

ليلى (بصوت متوتر، يدها تمسك بذراعها وكأنها تحاول التماسك): ماذا تعني؟ ماذا يعني أن “المفتاح ليس في الخارج”؟

سالم (بصوت هادئ، يواصل النظر إلى الجدار، لكنه يحدق بشكل أكثر تأملًا الآن): أعتقد أن الرسالة بسيطة… المفتاح ليس شيئًا ماديًا. ليس شيء يمكنك أن تجده في الخارج، في هذا العالم الذي نحن فيه.

ليلى (تبتعد خطوة إلى الوراء، تجذب نفسها بعيدًا عن كلمات الجدار كما لو كانت تلامسها بشكل مؤلم): إذاً، ماذا يعني ذلك؟ كيف يمكن أن يكون المفتاح هنا… في هذا المكان؟

آدم (يقترب من الجدار، يلمس الكلمات برفق كما لو كان يحاول فهم معناها الجوهري): ربما… ربما المفتاح فينا. في اختياراتنا، في أفكارنا… ربما يجب أن نواجه أنفسنا.

سالم (ينظر إلى آدم بنظرة تقدير، ثم يبتسم ابتسامة مشوشة): مواجهة أنفسنا؟ حقًا؟ تلك هي الحلول التي تصل إليها عندما تبدأ بتشريح أفكارك، صحيح؟

آدم (بصوت أكثر قوة، لكنه متردد قليلاً): هذا ليس عن التحليل العقلاني فقط… أنا أتحدث عن شيء أعمق، شيء غير مرئي.

ليلى (تهز رأسها، غير مقتنعة، لكنها تُظهر بعض الوعي بما يجري): ولكن كيف؟ نحن هنا… لا مخرج. كيف نواجه أنفسنا ونحن لا نعرف حتى السبب في وجودنا؟

(تقترب ليلى من الجدار، تلمس الكتابة بخفة، كما لو أنها تبحث عن معنى مختبئ بين الحروف.)

ليلى (بصوت خافت، وكأنها تقول لنفسها أكثر من حديثها مع الآخرين): هل تعني… أن لدينا المفتاح داخلنا؟ هل يعنى أن… نحن من صنعنا هذا المكان؟

(سالم يضحك بنعومة، لكن لا يبتسم. عينيه لا تزال ثابتة على الجدار.)

سالم (بصوت مفعم بالسخرية، لكنه يحمل بعض الجدية): مفتاح داخلنا؟ هل تقولين أننا نحن من وضعنا في هذه الغرفة؟ أننا… من اخترنا أن نكون هنا؟

آدم (بصوت منخفض لكنه يزداد قوة): نعم. ربما يكون هذا هو ما تحاول الرسالة قوله. المفتاح ليس في الخروج… إنه في فهم لماذا نحن هنا. في قبول أن هناك شيء يجب أن نعرفه… عن أنفسنا.

سالم (يتمتم، أكثر تأملًا الآن مما كان عليه في البداية): مثير. فكرة قديمة، لكنها تحمل في طياتها شيئًا جديدًا.

ليلى (بصوت محموم، كما لو أنها تحاول الهروب من فكرة بدأت تعصف بها): لكن لماذا؟ لماذا نحن هنا؟ لماذا نختبر هذا؟ لماذا أنا… أنا…؟

(تجمد في لحظة، وكأن الإجابة على السؤال الأخير تتسلل إليها فجأة، لكنها لا تستطيع أن تخرجها إلى النور. تبتعد عن الجدار، متراجعة إلى أقصى الزاوية.)

آدم (يتنهد، عينيه مليئة بالثقل الداخلي، ثم يلتفت نحو الجدار مرة أخرى): هناك شيء هنا، شيء يجب أن نكتشفه. ربما لا نملك جميع الإجابات الآن، لكننا… نمتلك المفتاح.

(تظهر الكلمات على الجدار مرة أخرى، لكن هذه المرة تتحرك ببطء، كما لو كانت تهتز. الجو يصبح أكثر كثافة، وكأن الغرفة نفسها تراقبهم.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الثالث.

الفصل الثالث:

 انهيار الإدراك

المشهد الأول – “من أنا؟”

(الغرفة تبدو أكثر ضيقًا الآن، كأن جدرانها اقتربت بضع إنشات دون أن يلاحظ أحد. الإضاءة باهتة، وظلال الشخصيات تلقي أشكالًا متكسرة على الجدران. الجو مشحون بثقل غير مرئي، وكأن الحقيقة بدأت تتكشف، لكن ببطء مؤلم. عيونهم تحمل الإرهاق، لكن خلف ذلك الإرهاق، يتسلل الخوف… والخروج عن السيطرة.)

آدم (يجلس على الأرض، رأسه بين يديه، صوته منخفض ومتحجر، كما لو أنه يحاول أن يمسك بحقيقة تهرب منه): نحن لسنا هنا… لا، نحن هنا. لكن كيف؟ كيف يمكن أن نكون هنا دون أن نعرف كيف وصلنا؟

ليلى (تحدق في يديها، تقلبهما ببطء كما لو أنها لم ترَهما من قبل، ثم تهمس وكأنها تخاطب نفسها أكثر مما تخاطب الآخرين): أشعر أنني أعرفكم… لكنني لا أستطيع تذكر كيف. هل نحن أحياء؟ أم أننا مجرد… ظلال لشيء لم نعد ندركه؟

سالم (يقف فجأة، نظرته أكثر حدة، أكثر حيوية من أي وقت مضى، وكأنه وصل إلى نتيجة قبل الآخرين، لكنه لا يعجب بها): هراء! نحن هنا، نعيش ونتنفس. لا تجعلوا عقولكم تذهب إلى أماكن لا عودة منها.

آدم (يرفع رأسه ببطء، نبرته تحمل شحنة من القلق العميق): لكن إن كنا أحياء… فأين نحن؟ ولماذا لا نذكر شيئًا؟

سالم (بحدة، يقترب منه، ينظر إليه مباشرة وكأنه يحاول إجباره على العودة إلى الواقع): هل تهتم حقًا بتلك الأسئلة الفلسفية الآن؟ استيقظ! نحن عالقون هنا! هذا ما يجب أن نهتم به، لا أن نضيع في دوامات لا معنى لها!

ليلى (تهز رأسها، صوتها ضعيف لكنه مشبع باليقين الغريب): بل لها معنى، سالم. ربما هذا هو كل ما لدينا… التساؤل. ماذا لو لم يكن هناك باب للخروج؟ ماذا لو لم يكن هناك “خارج” من الأساس؟

سالم (يضيق عينيه، صوته يتحول إلى شيء أكثر ظلامًا، أكثر غضبًا، أكثر خوفًا، رغم أنه لن يعترف بذلك): لا تقولي ذلك.

آدم (يقف ببطء، ينظر إلى سالم وكأنه يرى فيه شيئًا لم يكن واضحًا من قبل): ولماذا لا؟ لماذا تخشى هذا السؤال تحديدًا؟

سالم (يضحك بمرارة، يمرر يده في شعره بعصبية): لأنني لن أكون فأر تجارب لهذه المهزلة! لن أقبل بأن أكون مجرد فكرة عالقة في عقل أحدهم!

ليلى (تتراجع خطوة إلى الوراء، تشعر بأن هناك عاصفة تتجمع في عيني سالم، شيء لا يمكن السيطرة عليه): سالم…

سالم (يحدق في الجدار الذي كُتبت عليه الرسالة الغامضة، ثم يلتفت إليهما، نظراته تزداد شراسة، يضغط بقبضته على الطاولة الصغيرة في الغرفة): كيف يمكنني أن أعرف أنكما حقيقيان؟ كيف يمكنني أن أثق بكما؟

آدم (بهدوء لكنه متيقظ، وكأنه يعلم أن العاصفة قادمة لا محالة): سالم، نحن جميعًا في نفس الوضع…

سالم (يقهقه ضاحكًا، لكن ضحكته فارغة، مشبعة بالسخرية والذعر معًا): “نحن”؟ من قال إننا حتى “نحن”؟ ماذا لو كنتما مجرد شبحين… أو أنا…

(تجمد في مكانه، وكأن الفكرة ضربته بقوة. يتراجع ببطء، يمرر يده على صدره، على وجهه، وكأنه يحاول الشعور بنفسه، بإثبات أنه “موجود”)

سالم (بهمس، لكنه يحمل كل رعبه المكبوت): ماذا لو كنتُ أنا من ليس حقيقيًا؟

(ليلى تضع يدها على فمها، وكأن الكلمات ضربتها مباشرة في قلبها. آدم يراقب سالم بحذر، يداه متشنجتان، لكنه يحاول البقاء هادئًا.)

آدم (بصوت ثابت، لكنه يحاول سحب سالم بعيدًا عن الحافة التي يقف عليها): لا تفكر بهذه الطريقة، سالم. نحن هنا، نحن جميعًا هنا.

سالم (يحدق به بعينين متوحشتين، ثم يصرخ بانفعال مفاجئ، يدفع آدم بعيدًا عنه بقوة): لا تخبرني بما يجب أن أفكر فيه! لا تثق بي… لأنني لا أثق حتى في نفسي!

(تتصاعد التوترات. ليلى تتراجع إلى الزاوية، آدم يحاول استعادة توازنه، وسالم يتنفس بعمق، صدره يرتفع وينخفض بسرعة، وكأن هناك شيئًا أعمق بداخله ينكسر.)

سالم (بصوت متقطع، لكنه مليء بيأس خفي): إن كنا لسنا أحياء… فماذا نكون؟

(لحظة صمت ثقيلة تسقط على الغرفة، كأنها سكين حاد يقطع الهواء. لا أحد يجيب… لأنه ربما، لا أحد يعرف.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الأول.

المشهد الثاني – “التجربة النفسية”

(الغرفة الآن تبدو أكثر انغلاقًا من أي وقت مضى. الإضاءة تصبح باهتة تمامًا، وكأنها تحاول إخفاء الحقائق التي بدأت تتسرب إلى الوعي. الصمت يثقله التوتر، لكن فجأة، يُسمع صوت خافت، غير مادي، وكأنه يأتي من عمق الوجود نفسه. الصوت ينتمي إلى مكان لا يمكن تحديده، لكنه يتغلغل في أذهانهم.)

الصوت الغامض (يظهر من كل زاوية، عميقًا وكأن صدى داخليًا يتردد في أذهانهم): أنتم جزء من تجربة نفسية.

(يتنفس الثلاثة بعمق، يبدو وكأن الكلمات سقطت عليهم كحجر ثقيل، كل واحد منهم يحاول استيعاب المعنى وراء الصوت.)

ليلى (تنظر حولها، تتنفس بصعوبة، عيناها تتحولان إلى بركتين من الخوف والارتباك): تجربة؟ ماذا يعني هذا؟

آدم (بصوت ثابت، لكن عينيه تحملان شيئًا من الشكوك التي بدأت تأخذ مكانها داخل عقله): تجربة نفسية؟ هل نحن… نحن مجرد فئران تجارب؟

سالم (يضحك، لكن ضحكته ليست نابعة من قناعة، بل من شعور مرير بالهزيمة): تجربة نفسية؟ يا لها من فكرة رائعة! هل هذا هو كل ما نحن عليه؟ مجرد دمى في يد خفية؟

(ليلى تتراجع إلى زاوية الغرفة، يديها ترتجفان كما لو أن كلمات الصوت كانت تهاجمها من كل الاتجاهات. صوتها يتلاشى ويصبح أقل وضوحًا مع كل ثانية تمر.)

ليلى (بصوت مهزوز، وكأنها تبتلع كل كلمة بصعوبة): لا أستطيع تحمل هذا… إذا كنا مجرد تجربة، فهذا يعني أننا لا نملك حقيقة… لا نملك وجودًا حقيقيًا!

(تبدأ ليلى في البكاء بصمت، تنحني إلى الأمام، رأسها بين ركبتيها. تتحول دموعها إلى نوع من التفريغ النفسي العميق. آدم يراقبها، لكنه لا يعرف كيف يساعد.)

آدم (بصوت منخفض، يتنهد، ثم يتحدث مع نفسه أكثر مما يتحدث مع الآخرين): هذا الصوت… يبدو حقيقيًا جدًا، وكأنه جزء من كل ما نعيشه هنا.

سالم (يضع يديه في جيبه، ملامحه تتغير قليلاً، وتصبح أكثر جدية مما كانت عليه في البداية): لم أكن أعتقد أنني سأصل إلى هنا… لكن يبدو أننا وصلنا إلى لحظة الحقيقة. إذا كنا في تجربة، فكل ما نراه ليس إلا جزءًا من اختبار… اختبار لا مفر منه.

آدم (يفكر للحظة، ثم ينظر إلى ليلى، التي لا تزال غارقة في انهيارها): ليلى… هذه ليست النهاية. ما زال لدينا شيء نحتاج إلى اكتشافه.

سالم (بتحدٍ، يمشي نحو الجدار حيث كانت الرسالة، وكأنه يريد أن يجد شيئًا آخر، شيئًا غير مرئي): لا يمكن أن يكون الأمر بهذه البساطة. إذا كنا في تجربة نفسية، لماذا نحن هنا بالضبط؟ لماذا نحن الثلاثة؟

آدم (بصوت هادئ، ثم يعترف لنفسه أكثر من أي شخص آخر): ربما… ربما أنا السبب في وجودنا هنا.

(سالم يتوقف فجأة، ينظر إلى آدم بتركيز. ليلى ترفع رأسها ببطء، عيناها متسعتان.)

ليلى (صوتها يرتجف، كما لو أن الكلمات التي خرجت منها أحدثت تفاعلًا لم تكن مستعدة له): ماذا تقول؟ ماذا تعني؟

آدم (ينظر إلى الأرض، متجنبًا الاتصال المباشر بالعيون، كأنما يعترف بشيء غير قابل للتفسير، شيء قد يدمّر كل ما كانوا يفكرون فيه عن أنفسهم): لا أستطيع أن أتذكر كيف… لكن شعورًا غريبًا ينتابني. أعتقد أنني… أعتقد أنني جزء من هذه التجربة. ربما أنا من دفع بنا إلى هنا.

ليلى (تقف فجأة، وكأن الصدمة جعلتها تتحرك بلا وعي، عيناها تتسعان من الذهول والغضب معًا): كيف يمكن أن تقول ذلك؟ إذا كنتَ أنت السبب… فكيف سنخرج من هذا؟ هل نحن مجرد جزء من أفكارك؟

آدم (بصوت يكتنفه الألم، يحاول تفسير ما يشعر به دون أن يملك الإجابة الحقيقية): لا أعرف… لا أستطيع أن أتذكر، لكن هذا الشعور… يتسلل إلى عقلي. كما لو أن هناك جزءًا مني قد اختار هذا المكان، اختار أن نكون هنا.

سالم (يقف بجانب الجدار، يراقبهم بتعبير معقد، ثم يتنهد، وكأنه يبدأ في فهم أبعاد الوضع بشكل أعمق): هذا كله أصبح فوضويًا. إذا كنتَ حقًا السبب في وجودنا هنا، فهل يعني ذلك أننا مجرد… انعكاسات لأفكارك؟

آدم (يبتلع ريقه بصعوبة، ويجذب نفسه إلى الداخل، كما لو أنه يحاول الهروب من فكرة بدأت تأخذ حيزًا في قلبه): ربما. لا أستطيع أن أشرح. لكنني لا أستطيع أن أهرب من هذا الشعور… أننا هنا، في هذا المكان، لأنني… لأنني يجب أن أواجه شيئًا ما.

(ليلى تتحرك بعيدًا عنه، عيناها مليئتان بالدموع، لكنها تحاول السيطرة على نفسها. سالم يبقى صامتًا، عابسًا، وكأن أفكاره تتداخل مع بعضها البعض بشكل يعجز عن التعبير عنه.)

سالم (بصوت خافت، لكنه يحاول أن يضغط على المشاعر التي بدأت تتراكم داخله): إذا كنا جميعًا هنا بسبب فكرة واحدة، فهل نحن حقًا موجودون؟ أم أننا مجرد تجارب لا قيمة لها؟

(ليلى تستدير فجأة، تنظر إليهم بعينين متسعتين وكأنها تستشعر هزة في قلبها، ثم تقول، بصوت يكاد يُسمع): ماذا لو كنا مجرد أفكار… ما الفرق بين أن نكون هنا أو لا نكون؟

(تتساقط الكلمات في الفراغ، وكل واحد منهم يواجه الحقيقة التي تتسرب إلى أعماقهم أكثر فأكثر.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الثاني.

المشهد الثالث – “القرار المصيري”

(الغرفة تزداد ظلمة، وكلما مر الوقت، تبدأ الجدران في الانحسار تدريجيًا. كل شيء يبدو مكثفًا، حتى الأنفاس نفسها، وكل حركة تبدأ في حمل ثقل القرار. التوتر يملأ الهواء كغيمة كثيفة، لا شيء يتسرب إلا أصداء الأسئلة التي تلاحقهم. هم في حالة جمود، ينتظرون، ولا أحد يعلم كيف سينتهي هذا.)

آدم (ينظر إلى الوجوه المرهقة حوله، صوته هادئ ولكن في أعماقه حرب غير مرئية): لقد بدأنا نصل إلى نقطة لا عودة.

سالم (يمشي في الغرفة، يخطو خطوات ثقيلة كما لو أنه يتحسس الطريق إلى الهاوية، عيونه تتنقل بين آدم وليلى، ثم يبتسم بمرارة، عارفًا أن القرار أصبح لا مفر منه): نقطة لا عودة؟ ألم ندرك بعد أننا مجرد قطع شطرنج في لعبة لا نعرف قواعدها؟

ليلى (تحتدم عيناها بالقلق، لكن جسدها يرتجف من الخوف الذي ترفض أن تعترف به): ماذا تعني؟ ماذا نفعل؟ هل هذا هو الخيار؟ هل نحن مضطرون لاختيار الموت لكي نخرج؟

آدم (يحاول أن يُبقي صوته ثابتًا، لكنه يفشل في كبح الارتباك الذي يتسلل إليه): هذا ما يبدو… يبدو أن ذلك هو السبيل الوحيد.

سالم (بصوت يشوبه السخرية المرة، يقف في المنتصف، عيناه تحدقان في الباب وكأنهما يتحديان ما هو وراءه): إذًا، الخيار هو الموت؟ هو قتل أحدنا للآخر؟ أي نوع من الفوضى هذه؟ هل نحن مجبرون على اختياره؟

ليلى (تصمت لفترة، تتنفس بعمق ثم تتحدث بصوت غير مستقر، وكأن كلماتها هي آخر ما تبقى لها من إنسانية): لا… لا يمكن أن نصل إلى هذا الحد. هناك دائمًا خيار آخر. لا يمكن أن نكون مجبرين على قتل أحدنا فقط لنحيا…

سالم (بصوت قاطع، يقترب منها، لكنه يظل على مسافة قصيرة من أن يصطدم بها، عينيه تحملان تحديًا قاسيًا): هذا هو الخيار الوحيد، ليلى. وكلما تأخرتِ في قبول ذلك، كلما كان ألمنا أكثر.

(ليلى تتراجع إلى الوراء، قلبها ينبض بسرعة، وتصارع بين عاطفتها وأفكارها المتصارعة. صوتها يكاد يختنق.)

ليلى (بهمس، لا تصدق ما تقوله ولكنها لا تستطيع الهروب من الفكرة): لا أستطيع… لا أستطيع فعل ذلك. كيف يمكنني أن أقتل أحدكم؟ كيف؟

آدم (يحاول أن يوقف هذه الدوامة من الشكوك والضياع، يعرض فكرة أخيرة، مشبعًا بالخيبة والدمار في نفسه): لكننا لا نملك خيارًا آخر. إذا كنا في تجربة، فهذا هو اختبارنا… قرارنا المصيري. قتل أحدنا أو البقاء هنا للأبد. هذه هي المعادلة.

سالم (يضحك بمرارة، ينظر إلى آدم، ثم يوجه نظره إلى ليلى وكأنهم جميعًا في مرآة واحدة): عجيب! هل حقًا تؤمن بذلك؟ هل تأمل أن نكون مجرد أدوات لهذا الصراع البائس؟ أما أنا، فلن أكون جزءًا من هذه اللعبة المجنونة!

ليلى (تبكي بصمت، ثم ترفع رأسها وتنظر إلى سالم، عيونها مليئة بالذعر والتساؤل العميق): هل سنقتل بعضنا؟ هل هذا ما سيحدث؟ هل ستصبح الغرفة هي قبرنا؟

آدم (بصوت خافت، أكثر تأثرًا مما يتخيل لنفسه): لا أعرف. لكنني أشعر بأننا قريبون جدًا من الوصول إلى الحقيقة. ربما الموت هو الإجابة… أو ربما هو الفخ الذي يضعونه لنا لكي نختار الهروب.

(فجأة، وفي لحظة متأزمة، يصمت الجميع. يشعرون بشيء مختلف يملأ الغرفة. الباب، الذي كان مغلقًا طوال الوقت، يفتح ببطء. الصوت غير مرئي، لا أحد يراه، ولكن الصوت يملأ الفراغ، يلامس آذانهم بحدة، وكأن هناك شيئًا غير مرئي يدخل إلى عالمهم.)

ليلى (تصرخ بصوت متقطع، وكأنها تتشبث بأمل ضئيل): الباب! الباب مفتوح!

سالم (يقترب بسرعة، كأن الحركة ستكون الإجابة، لكن تردده يظهر في خطواته): هل هذا هو الخلاص؟ أم أننا نقترب من فخ آخر؟

آدم (يبقى في مكانه، عينيه مثبتتين على الباب المفتوح، لا يستطيع التحرك، كأن عقله لا يصدق ما يحدث): هل هذا هو الخيار الذي ننتظره؟ هل فعلاً نحن أحرار؟

(لحظة صمت مريرة. كل شيء متوقف، ولا أحد يتحرك. الباب مفتوح، لكن الإجابة، كما هي الحال دائمًا، ليست واضحة. يتساءلون إن كانوا سيتجاوزون هذا الاختبار أم أنهم سيبقون هنا، محتجزين في الغرفة، إلى الأبد.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الثالث.

الفصل الرابع:

 الحقيقة والحرية

المشهد الأول – “الخروج أم البقاء؟”

(الغرفة تبدو هادئة، ولكنها مشحونة بالتوتر. الباب المفتوح أمامهم، يتسلل من خلاله ضوء ضعيف، لكن هذه الإضاءة تزيد من الشعور بالضبابية. كل شيء في المكان يبدو غريبًا، وكأن الوقت قد توقف، وكأنهم على شفا قرار مصيري لا يمكن التراجع عنه. ينتابهم شعور غريب من الشكوك، فلا أحد يستطيع أن يثق في خطوته التالية.)

سالم (يتقدم نحو الباب بسرعة، يتنفس بعنف، كما لو أن التنفس هو آخر فعل حي في جسده): لا يمكننا أن نضيع هذه الفرصة! لا يهم ما سيكون وراءه، نحن بحاجة للخروج!

ليلى (ترتجف، تقف في مكانها، عيناها تراقبان الباب ثم تتحولان إلى سالم، شعور من الذعر يتسلل إلى أعماقها): سالم، انتظر! ماذا لو كان هذا مجرد فخ؟ ماذا لو كان كل شيء مجرد وهم؟ ماذا لو كنا نقع في فخ أكبر؟

آدم (يرتدي نظرة عميقة مليئة بالقلق، يتطلع إلى الباب كما لو أنه يراه للمرة الأولى، كأن عينيه بدأتا ترى الحقيقة التي تحاول الهروب منها): هل نستطيع حقًا أن نصدق أن الخروج هو الحل؟ ألم نكن هنا منذ البداية بسبب قرار مشترك؟ ماذا لو كنا نبحث عن شيء لنرتكب خطأ آخر؟

سالم (بغضب، يلتفت إلى آدم، عيونه تعكس شعورًا بالاستعجال والتصميم): ما الذي تتحدث عنه؟ هل نحن هنا لنبقى في هذه الغرفة للأبد؟ ألا ترى أن كل لحظة نضيعها هنا تقتلنا أكثر؟

ليلى (تقترب من الباب، لكنها تتردد في المرور من خلاله، يدها تمسك بالمقبض، لكن قلبها ينبض بسرعة وكأنها تشعر بأن الزمن يضغط عليها أكثر): لكن ماذا لو كان الطريق إلى الخارج هو الطريق إلى الضياع؟ ماذا لو كان مغامرة أكثر خطورة من البقاء هنا؟

آدم (ينظر إليها، صوته هادئ، لكنه يحمل نوعًا من الحزن، وكأن هناك فكرة ثقيلة تقبع في أعماقه): أحيانًا، الخروج ليس هو الحل. أحيانًا، ما يبدو كفرصة قد يكون في الواقع فخًا يستدرجنا لنقع في نفس الحلقة مرة أخرى. نحن محاصرون بين خيارين، وكلاهما يحملنا إلى الهاوية.

(سالم يقترب أكثر من الباب، يداه ترتجفان من الإثارة، ينظر إلى ليلى ثم إلى آدم، وكأن صمتهما أصبح معركة ضده. هو يريد الخروج بأي ثمن.)

سالم (بصوت حازم، يتنفس بعمق كما لو أنه يتخذ قراره النهائي): كل هذا الكلام فارغ! الباب مفتوح! إذا لم نغادر الآن، سنظل هنا للأبد! لا وقت للنقاش!

ليلى (تقف في منتصف الغرفة، متحيرة بين خوفها ورغبتها في الهروب، لكنها تجد نفسها ملزمة بمواجهة الحقائق التي كانت تحاول الهروب منها طوال الوقت): لكن، ماذا لو كنا لا نملك الحق في اتخاذ القرار؟ ماذا لو كانت الغرفة هي الحقيقة، والخروج هو السراب؟

آدم (يسير نحوها ببطء، يضع يده على كتفها بحذر، يشعر بثقل ما يحدث أكثر من أي وقت مضى): ليلى، أنا لا أعرف إذا كنا مستعدين للخروج. لكن ما أعرفه هو أننا هنا لأننا جعلنا خياراتنا. هذا الباب… لا يمكن أن يحررنا إلا إذا قررنا حقًا أن نواجه ما خلفه.

(لحظة طويلة من الصمت تسود الغرفة. تتسارع الأفكار في رؤوسهم، والشكوك تتداخل مع الرغبات. كل واحد منهم يواجه المجهول، في محاكاة صامتة لمشاعرهم المتناقضة.)

ليلى (تنظر إلى الباب، ثم تنظر إلى آدم، كلماتها تصبح أكثر وضوحًا، وكأنها تقرر في نفسها أخيرًا، ولكن بحذر شديد): إذا كان الخروج يعني أن نواجه المجهول، فأنا مستعدة. لكن… لن أفعل ذلك وحدي.

سالم (يمسك بالمقبض بشدة، يشد الباب باتجاهه، عينيه تحدقان في الفراغ كما لو أنه سيصطدم بشيء لا يعرفه): إذا كنتم خائفين، فابقوا هنا. لكنني سأخرج.

(آدم يقترب منه، يحاول أن يوقفه، لكن هناك شيء ما في عينيه يجعل كل شيء يبدو أكثر تعقيدًا.)

آدم (بصوت منخفض، لكنه عميق، يحمل الهمس الذي يتردد في أعماق كل واحد منهم): سالم، لا تجعل قرارك نتيجة للضغط… يجب أن نكون مستعدين لكل شيء هناك.

(يترك سالم الباب أخيرًا، ثم يبتعد عنه قليلاً. ينظر إلى الجميع بتعبير غريب. ليلى تمشي نحو الباب ببطء، كما لو أن قلبها يقودها إلى ما لا تعرفه.)

ليلى (تنظر إلى الجدران من جديد، ثم إلى آدم، وعينيها تحملان الضعف الذي يعكس رغبتها في التمرد على مصيرها، لكن قرارها يبدو أقوى الآن): لن أهرب من المجهول، مهما كان. إذا كانت هذه هي الحقيقة، فلنواجهها معًا.

آدم (بنظرة مليئة بالتساؤل، لكنه يبتسم ابتسامة صغيرة، وكأن قلبه ينبض للمرة الأولى منذ بداية كل هذا): إذاً، سنواجه الحقيقة، مهما كانت مرعبة.

(الضوء من الباب ينير الطريق أمامهم، وكأن كل شيء في الغرفة قد تلاشى. لكن ما هو وراء الباب يبقى غامضًا. يتنفسون جميعًا نفس الأمل واليأس معًا.)

سالم (بهمس، وكأن الحقيقة قد تلمسه أخيرًا): الحقيقة… الحرية. أي منهما سيكون أكثر مرارة؟

(وبخطوات مترددة، يبدأ الثلاثة في التقدم نحو الباب المفتوح، وكأنهم يطاردون شيئًا لا يعرفونه بعد. في تلك اللحظة، لا يعرفون إذا كانوا سيجدون طريقهم أم سيخسرون كل شيء.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الأول. —

المشهد الثاني – “مفاجأة مدوّية”

(الغرفة التي بدت وكأنها في حالة سكون تام، تتنفس الآن ببطء كما لو أن كل شيء حولهم يمر بمرحلة تغيير غامضة. الباب الذي فتح أمامهم يُغلق ببطء من خلفهم، ولكن شيئًا ما في الجو يشي بوجود آخر وراء هذا التحول. الصوت الذي يرتجف في آذانهم كان بمثابة إعلان صريح لشيء غير مرئي يدخل إلى عالمهم. وها هو شخص غامض، لا يراه أحد، يدخل عالمهم.)

صوت غامض (يهمس، متسللًا عبر الصمت، صوته حاد وغريب، يحمل نبرة توجيه دقيقة في كل كلمة): لقد كنتم هنا طوال هذا الوقت، تبحثون عن الخلاص…

(ينظر الثلاثة إلى بعضهم البعض، يتراجعون إلى الوراء بقلق، تتسارع أنفاسهم في الهواء الثقيل. الصوت يعود، هذه المرة أقوى وأكثر تحديدًا.)

الصوت الغامض (يستمر، يتقاطع مع أفكارهم وكأن كل كلمة تخرج من فم هذا الصوت تلامس أعماقهم مباشرة): نعم، هذه الغرفة كانت اختبارًا. اختبار حقيقي لمعرفة طبيعة قراراتكم تحت الضغط.

(يظهر الشخص الغامض فجأة أمامهم. وجهه مشوه لدرجة أن ملامحه لا تُميز. فقط نظراته الباردة تخترق الظلام الذي يحيط بهم.)

آدم (يفزع، يتحرك إلى الأمام بحذر، عينيه تراقب الشخص الغامض بتوجس): من أنت؟ ماذا تعني بهذا؟ اختبار؟ لماذا؟

الشخص الغامض (يبتسم، لكن ابتسامته لا تحمل أي دلالة من الراحة، تظل باردة ومرتبكة كأنها ترفض فهمهم): لأن ما فعلتموه هنا لم يكن محض صدفة. لم تكن مجرد لعبة، ولم تكن مجرد محنة. كل شيء كان مرتبطًا. ماضيكم، خياراتكم، و… هويتكم.

ليلى (يبدو أنها تمسك نفسها بصعوبة، تتحرك خطوة إلى الوراء، كأن الواقع بدأ ينسحب منها، تبدأ أسئلتها تتداخل مع شكوكها): ماضينا؟ ماذا تقصد؟ كيف يمكن أن يكون كل هذا مرتبطًا بماضينا؟

الشخص الغامض (يقترب منها ببطء، صوته عميق وملغم بالحقيقة التي لا يمكن إنكارها): لأنكم لم تكونوا أبرياء كما تعتقدون. كان لكم دور في كل ما جرى هنا. ولا، لم يكن هذا اختبارًا للنجاة فقط. كان اختبارًا لقلوبكم. هل تعرفون حقًا من أنتم؟

سالم (يضحك بصوت منخفض، وكأن الكلمة لا تعني له شيئًا، يسير نحوه، يقترب من هذا الكائن الغريب، مستعدًا لمواجهة كل شيء بمرارة لا متناهية): كنت أعرف أن هناك سرًا! كان كل شيء غير طبيعي منذ البداية. لكن ماذا الآن؟ هل أخبرتنا للتو أننا جزء من هذه القصة الملعونة؟ هل نحن السبب في كل هذا؟

الشخص الغامض (ينظر إليهم بعينيه الحادتين، ثم يجيب بصوت أكثر حدة وألمًا): نعم، السبب، والنتيجة. أنتم ليسوا ضحايا، بل شهود، بل مخططون لهذا الحدث. كل اختيار كنتم تتخذونه كان له تبعاته، وكل كلمة قيلت كانت تمثل طريقًا قد رسمتموه بأنفسكم. لا أحد هنا بريء.

آدم (يضع يده على جبينه، يشعر بأن عقله قد بدأ في الانهيار من حجم الحقيقة التي تنكشف أمامه، وهو يحاول أن يلتقط أجزاء ذاته التي تبددت في الصراع الداخلي): هذا مستحيل… لا يمكن أن نكون قد فعلنا كل هذا دون أن نعلم.

الشخص الغامض (يميل إلى الأمام، عينيه لا تتركهم، وكأن الكلمات التي يلفظها هي أسئلة بلا إجابة لأعماقهم): لكن الحقيقة هي أنكم جميعًا كنتم في فخ. فخ من صنع يديكم، فخ من صنع الماضي الذي لا تتذكرونه. أنتم هنا لأن كل شيء كان يتحتم عليه أن يصل إلى هذه اللحظة.

(يبدأ صوت غير مرئي، ربما يكون همسًا، يتسرب إلى الغرفة، كما لو أن هذا الصوت جاء ليضخ الحياة في كلمات الشخص الغامض. يظل الثلاثة ثابتين في أماكنهم، لا يجرؤون على التحرك.)

ليلى (تقف مرتبكة، كلماتها تتساقط كما لو أنها لا تملك السيطرة على أفكارها): ماذا تعني؟ ماذا يعني هذا كله؟ لماذا نحن هنا إذا لم نكن بريئين؟

الشخص الغامض (يخطو خطوة نحوهم، هدوءه يعكس نوعًا من التأمل العميق): لأنكم، يا ليلى، ويا آدم، ويا سالم، كنتم عالقين في شبكة من الأكاذيب التي نسجتها أيديكم. لم تكونوا ضحايا، بل شاركتم في اللعبة. حتى في قراراتكم البسيطة، كان هناك دائمًا خيار آخر. لكنكم اخترتم الطريق الأكثر عتمة.

سالم (يصرخ بغضب، صوته يرتفع مع الشكوك والدمار الذي يتسرب إلى نفسه): هذا ليس ممكنًا! هل تقول أن كل شيء كان متعمدًا؟ هل نحن من اخترنا أن نكون هنا؟!

آدم (يخفض رأسه، عينيه مليئتين بالندم، ثم يتنهد بمرارة، وكأن الكلمات تعجز عن تفسير الفوضى في عقله): لا أستطيع أن أصدق ذلك. إذا كنا قد اخترنا هذا الطريق، فأين هو الطريق الصحيح؟

الشخص الغامض (يرتدي ابتسامة محيرة، يوجه نظره نحو الباب الذي كان مفتوحًا منذ البداية): الطريق الصحيح… ربما كان أمامكم منذ البداية. ولكن هل كانت قلوبكم مستعدة للحرية؟ أم أن كل ما فعلتموه هنا كان محض إخفاء لأنفسكم عن الحقيقة؟

(في هذه اللحظة، تغلق الغرفة من حولهم كأنها تُختتم بشكل حاسم، وتظل الحقيقة التي تتردد في عقولهم تدور حولها الأسئلة بلا إجابة.)

إظلام تدريجي. نهاية المشهد الثاني.

المشهد الثالث – “الخاتمة المفتوحة

(الغرفة التي تبدو مألوفة، هي نفسها لكنها الآن غارقة في سكون أكثر عمقًا. الأضواء باهتة، تحاول أن تكشف عن شيء، لكن لا شيء يظهر سوى الظلام. الباب مفتوح على مصراعيه، كما لو أنه لا يُغلق أبدًا، وتتناثر الأضواء في كل زاوية، حيث يقف الثلاثة في حالة من التردد، كما لو أن كل شيء يصل إلى هذه اللحظة الحاسمة التي لا فكاك منها.)

سالم (يقترب من الباب دون تردد، خطواته متسارعة كما لو أن كل شيء يضغط عليه للمغادرة، يلتفت مرة واحدة إلى ليلى وآدم، ثم ينطلق إلى الخارج دون أن ينبس بكلمة): لن أبقى هنا.

(اللحظة التي يخرج فيها سالم من الباب، ينغلق الباب خلفه في صوت حاد، لا يترك أي مجال للرجوع. الظلام يحل في الغرفة كأنما يبتلع ما بقي من أمل. ليلى وآدم يبقيان واقفين، مشدوهين، عيونهما تراقبان الباب المغلق.)

ليلى (تسير نحو الباب المغلق ببطء، تتأمل في الصمت الذي يحيط بها، صوت قلبها في أذنها يُسمع بوضوح، وكأنها تقف على حافة قرار لا يمكن التراجع عنه): هل كان ذلك هو الحل؟ هل خرج… أم أنه دخل إلى سجن آخر؟

آدم (بصوت منخفض، مليء بالتساؤلات التي لم تجد إجابة حتى الآن، يداه تتشبثان بشيء غير مرئي في الجو): ربما كان سالم يبحث عن شيء لا يمكننا فهمه… الحرية بالنسبة له قد تكون شيئًا مختلفًا.

ليلى (تحدق في الباب المغلق، عيونها تغطيها الحيرة والقلق، تبدأ في التحدث كما لو أنها تتحدث إلى نفسها أكثر من حديثها إلى آدم): ولكن إذا كانت الحرية هي أن نختار الرحيل… فما الذي فعلناه نحن هنا؟ هل نحن أحرار بما فيه الكفاية للبقاء في هذه الغرفة؟ هل نحن محاصرون في خياراتنا الخاصة؟

آدم (ينظر إليها بحيرة، ثم يبتسم ابتسامة صغيرة، مليئة بالألم، وكأن التردد قد وقع في قلبه أيضًا): ربما تكون الأسئلة هي التي حبستنا هنا، ليلى. ربما لم نكن بحاجة إلى أن نخرج… بل بحاجة إلى أن نواجه أنفسنا.

(لحظة من الصمت الحزين، يملأ الجو بها فكراهم المتداخلة، لا يجرؤون على اتخاذ خطوة أخرى.)

ليلى (تلتفت إلى الباب المغلق، ثم إلى آدم، وكأن قلبها يتخذ قراره النهائي رغم تردد عقلي واضح): وأنا أيضًا… لا أستطيع أن أذهب. أحتاج إلى الوقت، لأفهم ماذا حدث. ربما علينا أن نواجه هذا المجهول معًا.

(آدم ينظر إليها، ثم يختار أن يكون بجانبها، لا يتحدث، لكن نظراته تخبر كل شيء. في هذه اللحظة، هناك إحساس عميق بأنهم في اختبارٍ دائم، لا يتعلق بالمكان بقدر ما يتعلق بالزمن الذي يعاد فيه الاختيار.)

آدم (بصوت حازم، غير مشروط، كما لو أنه يتخذ قرارًا نهائيًا بعد فترة من التردد): إذن سنبقى هنا، على الأقل حتى نكتشف ما كان هذا كله.

(فجأة، ينطفئ الضوء في الغرفة، كما لو أن العالم كله يغلق أبوابه أمامهم، تاركًا الظلام يحل من جديد. يبقى الباب المغلق أمامهم، ولا تُعرف عواقب ما إذا كانوا سيبقون أو ما سيحدث إذا اختاروا الخروج. لا صوت، ولا حركة، إلا همسات أفكارهم التي تتردد في مكان لا يراه أحد.)

الصوت الغامض (يعود بصوت خافت، ولكنه يحمل معنى أخيرًا، ينطلق من الظلام كما لو أن الصوت يختفي مع الأضواء التي أُطفئت): هل الحرية هي أن تختار الرحيل؟ أم هي في أن تبقى حتى تجد نفسك؟

(تختفي الكلمات في الظلام، وكأنها تذوب في الفضاء الذي لا يدركه سوى من يحاول أن يجيب على السؤال الأزلي الذي لا نهاية له.)

الستار يُسدل.

Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *