مسرحية الليل الطويل
المشهد الوحيد
(المكان: مقهى شعبي، الطاولات والكراسي مبعثرة، إنارة خافتة، صوت الريح والعاصفة يسمع في الخلفية. الساعة متأخرة من الليل، وعدد من الزبائن جالسون، بعضهم صامت، والبعض يدخن أو يحتسي القهوة.)
(يدخل “منصف” وهو يرتجف من البرد، ينفض الماء عن معطفه، يتجه نحو النادل “حبيب” الذي ينظف الطاولة.)
منصف: الله غالب، الدنيا مقلوبة البرا! ما كنتش نتصور العاصفة توصل للقوة هاذي.
حبيب: (يواصل تنظيف الطاولة دون اهتمام) ايه، الشتا ما ترحمش.
(في زاوية أخرى، يجلس “كمال”، رجل في الأربعينات، أنيق لكن يبدو عليه القلق. إلى جانبه “سلوى”، امرأة في الثلاثينات، تدخن بشراهة.)
سلوى: (ساخرة) هاو هكا! محبوسين في القهوة خاطر الدنيا غضبانة! يحسها الواحد كيف حياته، كل مرة تزيد تعصر عليه أكثر.
كمال: (يبتسم بمرارة) على الأقل هوني فما سقف على روسنا مالا ناس أخرى عايشة لا سقف و لا قاع !.
(يدخل “رضا”، شاب في العشرينات، يرتدي ملابس رياضية مبللة، يهرول نحو المدفأة ويحاول تدفئة يديه.)
رضا: قوة ربي عظيمة! بربي شكون عندو شقف كردونة والا حاجة نلف بيها ساقي؟ راهم جمدو!
(يقهقه “مختار”، رجل ستيني، جالس في ركن المقهى، يحتسي الشاي.)
مختار: كيف كنت صغير، كنت نحب الشتا.. توة ولينا نهربو منها كيف الفيران!
منصف: (يجلس على كرسي قريب) أحنا نهربو من الشتا والا من حاجات أخرى؟
سلوى: (تبتسم بسخرية) هاو السؤال! أما الحقيقة، كل واحد هارب من حاجة.. وأنا أولهم!
كمال: (يهمس) واحنا، وين نهربو كان اللي هاربين منه معانا الداخل؟
(يصمت الجميع للحظة. صوت الريح يعلو، الباب يرتجف. “حبيب” يطفئ سيجارته ويقترب من الزبائن.)
حبيب: توة، بما إننا محبوسين مع بعضنا الليل الكل.. شنو رأيكم كل واحد يحكي حكاية؟ على خاطر الوقت طويل والليل ما يرحمش.
(ينظر الجميع إلى بعضهم البعض. يترددون، لكن الفكرة تثير فضولهم. رضا يهز رأسه موافقًا، مختار يبتسم ابتسامة غامضة، سلوى تأخذ نفسًا عميقًا من سيجارتها، وكمال ينظر إلى فنجانه كأنه يبحث عن إجابة داخله.)
رضا: أنا نحكي أول واحد.. لكن ما تسألونيش على اسمي الحقيقي، خليني هكة مجرد رضا.
سلوى: (بفضول) هاو عاد، نحبوك تحكي الحقيقة موش تخبي علينا روحك.
رضا: (يبتسم بمرارة) الحقيقة مرات أقسى من الكذبة.
مختار: (يقهقه) كلنا عايشين كذبة كبيرة.. القهوة هاذي، الدنيا هاذي، حتى الليل الطويل هذا.. شنية الحقيقة في هذا الكل؟
كمال: (ينفجر بغضب مفاجئ) الحقيقة؟ الحقيقة اللي كل واحد منا عنده سر مخبيه! ووقت اللي تتسكر علينا البيبان، تطلع الأسرار.
(يعم الصمت، الجميع ينظر إلى كمال الذي يبدو أنه قال أكثر مما يجب. العاصفة تزداد قوة، والمقهى يهتز، كما لو أن الطبيعة نفسها ترد على صراعهم الداخلي.)
(صوت الريح يستمر، والليل مستمر، والمقهى يبقى شاهداً على قصصهم، التي لم تنتهِ بعد.)
(ستار.)