جميع الحقوق محفوظة لعماد إيلاهي. يُمنع نسخ أو إعادة نشر أي جزء من هذا الموقع بأي وسيلة دون إذن كتابي مسبق.

فكرة واطي الكفري

في شقة فاخرة في الضاحية “المزهى”، حيث الجدران مغطاة بلوحات فنية تشبه ما يعرض في محلات التحف الرخيصة، ويعمرها مصابيح كريستالية كانت تكشف عن طابع الفخامة المزيف، كان واطي الكفري يعيش حياة مليئة بالغرور والتفاخر. واطي كان يعتقد أن العالم كله يجب أن ينحني أمام عبقريته، رغم أن موهبته الوحيدة كانت صناعة برامج تلفزيونية تدغدغ قلوب الناس وتغلق عقولهم.

كان واطي يملك فلسفة خاصة به: “إذا أردت أن تكسب قلوب الناس، اجعلهم يضحكون. وإذا أردت أن تجذبهم، قدم لهم التفاهات!” واحتفظ بهذه الحكمة العميقة، فقرر أن يجعل من هذه الفكرة “فنًا” يقدمه للناس في كل برنامج، والذي كان يعتقد أنه من أرقى الفنون.

في أحد الأيام، بينما كان واطي يستعرض تقارير نسب المشاهدة التي تفوقت على أرقام الخيال، وصلته رسالة من صديق قديم يعمل في مجال الإعلام “الجاد”، رسالة غريبة مليئة بالكلمات الكبيرة: “واطي، هل تعتقد أن الشعب يحتاج إلى المزيد من التفاهات؟ ماذا عن تقديم محتوى يساهم في تطوير الفكر والتوعية؟”

ضحك واطي حتى كاد أن يسقط من كرسيه، “هذا الشخص لا يفهم!” ثم قفزت فكرة غريبة في رأسه. قرر أن يبدأ برنامجًا جديدًا بعنوان “فكرة واطي الكفري”، وهو برنامج يُفترض أن يقدّم فيه نقدًا اجتماعيًا ساخرًا، لكن بالطبع، من دون أن يتعرض لأي مشكلة حقيقية في المجتمع.

كان واطي يعتقد أن هذا البرنامج سيكون الثوب الجديد الذي سيرتديه لنقد سطحي ولكن مسلٍ. بدأ يقدم مواضيع مثل “هل الألفاظ النابية مضحكة أم مزعجة؟” أو “كيف يمكن أن تحول السوشيال ميديا إلى مصدر للمسخرة؟” وكان الجمهور يضحك، طبعًا، لأن السطحية كانت مغطاة بطبقة من الدعابة.

لكن واطي لم يكن يعرف أن الضحك لا يدوم طويلًا، لأن أحد الصحفيين الجريئين قرر كشف الستار عن الحيلة، فكتب مقالًا عنوانه “واطي الكفري: إعلامي أم مهرج محترف؟” وجاء في المقال: “واطي يسخر من عقول الناس ببرامج تسخر من الواقع، ليجعلنا ننسى أن التغيير يحتاج أكثر من مجرد مزاح!”

في النهاية، بدأ الجمهور يشعر بشيء غريب. ربما كان يضحك في البداية، لكن حين بدأ يفكر، اكتشف أن الضحك كان على حسابه الشخصي. اضطر واطي للكفري إلى إيقاف البرنامج، ليجلس في شقته الفاخرة متأملًا في مصيره، فقال لنفسه: “ربما كان الشعب يريد أن يضحك، لكن ربما أيضًا كانوا يريدون أن يفكروا. ولكن من سيعلمهم التفكير بعد أن جعلتهم يهربون من التفكير؟”

Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *