جميع الحقوق محفوظة لعماد إيلاهي. يُمنع نسخ أو إعادة نشر أي جزء من هذا الموقع بأي وسيلة دون إذن كتابي مسبق.

مسرحية: الظل والفجوة


الفصل الأول: “البحث عن الظل”


المشهد الأول: “الوقوف أمام السد”

المكان:
المكان مظلم، كما لو أن الزمن نفسه قد تجمد في زوايا المكان. جدران ضخمة، كأنها صخور عتيقة، ترفع نفسها أمام عادل، تفصل بينه وبين فضاء مفتوح يبدو بعيدًا، بلا حدود، كأحلام تتسرب عبر أصابع الزمن. الضوء يكاد يكون معدومًا، إلا لمحات ضعيفة تحاول أن تشق طريقها من خلال الشقوق.

(الستار يرتفع ببطء، يظهر عادل واقفًا أمام السد، وجهه مشوه بالحيرة والتفكير. خطواته بطيئة، كأن كل خطوة تحفر طريقًا في الذاكرة.)

عادل (همسات، يتحدث لنفسه): “ماذا كنت أفعل طوال هذه السنين؟ أين ذهب الزمان الذي عشت فيه؟ هل كنت أركض وراء شيء أم خلف سراب؟ وها أنا هنا، أمام هذا السد… أراه، ولكن لا أستطيع الوصول إليه. أراه، وأسمع صوت نفسي تتردد بين جدرانه. هل هو هذا الوجود؟ هل هذا ما كنت أبحث عنه؟”

(يتقدم خطوة إلى الأمام، ثم يوقف نفسه فجأة.)

عادل:
“أظن أنني وقفت هنا من قبل… لا، ليس هنا، ولكن هناك حيث اختلط الماضي بالحاضر… والوجود صار كأنه سراب لا يمكن الإمساك به. أين كنت؟ وما الذي منعني من فهم هذا؟ هل هو السد؟ أم أنني السد؟”

(ينظر إلى السد وكأنما يحاول فهمه. يضع يده على أحد الجدران.)

عادل (يخاطب السد):
“هل أنت حقًا حاجز أم أنني أنا من وضعته؟ هل أنتم الجدران أم أنني أنا الذي أراكم؟ كل خطوة… كل حركة، تنتهي هنا. كل فكرة… وكل سؤال، تتعثر عند هذا الحد. فهل كنت أبحث عن معنى؟ أم كنت أهرب من الجواب؟”

(يقف صامتًا لبرهة طويلة، عينيه ضائعتين بين الزمان والمكان.)

عادل:
“يا سد، يا حدود الوجود… هل ستكون النهاية هنا؟ هل سيظل هذا الحائط عائقًا في طريقنا؟ أم أنني فقط لا أستطيع رؤيتك كما أنت؟”

(ينتقل بنظره إلى السماء المظلمة، ينقض عليها بعيون مليئة بالأسئلة.)

عادل (بصوت خافت، كأنما يناجي السماء):
“هل سأظل أسأل هذا السؤال بلا نهاية؟ أرى… أسمع… ولكن لا شيء يجيب. ربما لا يكون هناك إجابة. ربما كانت الحياة مجرد لعبة من الأسئلة التي لا تنتهي. لا أريد أن أكون هنا… لا أريد أن أستمر في السؤال بلا جواب. ولكن، ماذا يمكنني أن أفعل؟ هل أهرب؟ هل أستسلم؟”

(يتراجع خطوة إلى الوراء، ثم ينهض في مكانه كمن يعيد ترتيب أفكاره.)

عادل:
“أنا هنا، فقط هنا. فهل يعني هذا أنني وصلت إلى النهاية؟ أم أن هذه هي بداية الطريق؟ السد أمامي، والفضاء بعيدًا، كأنه حلم كان لي… ولكن هل كان هذا حقًا حلمًا؟ أم كان هو الواقع الذي أخفته عن نفسي؟”

(يغمض عينيه للحظة، ويشعر بالصمت المحيط به.)

عادل (بصوت متقطع، كأنما يعيد اكتشاف نفسه):
“الظل… الظل الذي يلاحقني، أهو أنا؟ أم هو الجدار الذي يفرق بيني وبين كل شيء؟”

(يعود ليقف أمام السد، عينيه ترفضان النظر إليه مباشرة.)

عادل (يخاطب السد بصوت منخفض):
“أنت… أنت الفجوة بيني وبين نفسي. ولكن كيف يمكنني عبورك؟ كيف يمكنني أن أتخطى هذا الجدار؟ هل يمكنني أن أجد الطريق إلى هناك؟ أم أنني سأسقط في الفجوة بين السؤال والجواب؟”

(يغلق عينيه مجددًا، ثم يرفع رأسه كما لو أنه يتقبل حقيقة المجهول.)

(الستار ينزل تدريجيًا، ليغطي المشهد ببطء.)

المشهد الثاني: “الظل يظهر

المكان:
الغرفة مظلمة، وكأن الظلال تتشابك مع بعضها البعض، تملأ المكان كما لو أن كل زاوية تحتفظ بذاتها. الضوء الوحيد يأتي من شق ضيق في الجدار، يكاد لا يمر إلا بكثافة ظلام كثيف يحيط بكل شيء. الظلال تتراقص على الجدران، تتحرك وتتغير بشكل مستمر، وكأنها جزء من الوجود نفسه.

(الستار يرتفع ببطء، تظهر الظلال أولاً، ثم يظهر “الظل” نفسه، شخصية غامضة، وجهه غير واضح، ملابسه باهتة وغير محددة. يتقدم ببطء نحو عادل، بينما تتشابك ظلاله مع الظلال التي تملأ المكان.)

الظل (بصوت عميق، هادئ):
“أنت هنا، إذن… متوقف أمام السد، تبحث عن شيء. عن معنى، عن حياة، عن وجود. ولكن، هل تجد شيئًا؟ أم أن الفجوة تزداد اتساعًا؟”

(يقترب من عادل، وينظر إليه بعينين فارغتين، كما لو كان يقرأ أفكاره.)

الظل (بضحكة منخفضة):
“يا عادل… هل كنت تعتقد حقًا أن هناك إجابة؟ هل كنت تعتقد أن هذا الجدار سيزول بكلمة واحدة؟ أم أنك تتساءل: هل هذا الوجود مجرد لعبة عبثية؟ هل هو فقط ظل على جدران الزمن؟”

عادل (متهامسًا لنفسه):
“أه… الظل… هو أنت. هل أنت جزء من حياتي؟ أم أنك مجرد تمثيل للموت؟”

الظل (ابتسامة مشوشة على وجهه):
“هل تعتقد أنني كائن؟ أم أنني مجرد طيف؟ هل تعلم أنني لا أملك شيئًا سوى الفراغ؟ لا جسم لي، لا شيء سوى الوجود الذي يتبعك. أينما ذهبت، كنت هناك، أتابعك، أراقبك. في كل خطوة، في كل تفكير، في كل لحظة، كنتُ خلفك. لكنك لم ترني حتى الآن، لأنك كنت مشغولًا بالبحث عن الجواب في مكان آخر.”

(يتراجع عادل خطوة إلى الوراء، يشعر بالقلق والتشويش.)

عادل (بصوت خافت):
“هل أنا… هل أنا الذي أبحث عنك؟ هل كنت أهرب منك طوال الوقت؟”

الظل (بهدوء قاسي):
“لا، أنت لم تكن تهرب، كنت فقط مشغولًا. مشغولًا بالأسئلة. مشغولًا بتفسير الوجود. ولكن، هل سألت نفسك: ما معنى الحياة؟ ماذا يعني أن تكون هنا؟ هل تظن أن الحياة هي مجرد محطات تعبرها؟ أن هناك خطًا مستقيمًا يجب أن تسير عليه؟”

(يتنهد عادل، ويحاول إيجاد كلمات للرد، لكن لا يستطيع. يقف صامتًا.)

الظل (بصوت أبطأ، أكثر تشاؤمًا):
“لقد مررت بكل شيء، كل تجربة، كل فكرة، وكل لحظة. وفي النهاية، هل كنت تجد فيها شيئًا؟ هل كانت هناك لحظة ذات معنى؟ أم أن الحياة، كما تعتقد، لا تزيد إلا من تعقيد الأسئلة؟ هل هناك شيء غير الفجوة؟ شيء غير هذا الظل الذي لا يتركك؟”

عادل (بحيرة):
“ولكن… ولكن، لماذا؟ لماذا يجب أن يكون هذا هكذا؟ هل لا يمكننا أن نجد أي معنى؟ هل الحياة كلها عبث؟”

الظل (ابتسامة قاتمة):
“العبث؟ الحياة ليست عبثًا، بل هي مجرد ظرف. مجرد تمرير وقت، ومحاولة التمسك بأشياء لا تدوم. هل أنت وحدك من تسأل؟ هل تعتقد أن الجميع يعيشون وهمًا من المعنى؟ الحقيقة أن لا أحد يملك الجواب. وحتى لو كنت تمتلكه، فماذا سيغير ذلك؟ هل سيتغير شيء؟ هل ستجد الراحة في الإجابة؟”

(الظل يقترب أكثر، حتى يكاد يلامس عادل، ثم يهمس في أذنه.)

الظل (بصوت هامس):
“أنت فقط جزء من الصورة، جزء من الحكاية التي لا تنتهي. وكلما اقتربت من فهم الوجود، كلما أصبح أكثر غموضًا، أكثر ضبابية. الوجود ليس سوى تكرار مستمر… وكلما حاولت الهروب، ستظل تجدني. سأكون هنا، دائمًا، خلفك… في كل خطوة، في كل لحظة. ماذا يمكن أن تفعله إذًا؟”

(يقف عادل صامتًا، كما لو أن الكلمات قد أصابته في قلبه. يرفع رأسه قليلاً إلى السماء المظلمة.)

عادل (همسًا):
“هل كل شيء عبث؟ هل حقًا لا شيء مهم؟”

الظل (بهدوء، أخيرًا):
“لا شيء مهم… سوى أنك ستستمر في السؤال. وسأستمر في متابعتك.”

(الظل يتراجع تدريجيًا، عينيه تظل تراقب عادل، بينما تزداد الظلال كثافة في الغرفة.)

(الستار ينخفض ببطء.)

المشهد الثالث: “الطيف

المكان:
غرفة مظلمة، موحشة، في زاوية معزولة من الزمن. الجدران مغطاة بالأتربة، والأثاث مهدم كما لو أنه لا يتذكر أحدًا. الضوء خافت، يمر من خلال نافذة مغلقة، يكاد يكون ظلاً لا يشير إلا إلى الفراغ. الغرفة مليئة برائحة الماضي، وكأنها تحمل آثار الذكريات البعيدة التي ضاعت، ولكن لم تُنسَ.

(الستار يرتفع ببطء، ويظهر “الطيف” فجأة في الزاوية البعيدة للغرفة، وسط ضباب خفيف. شخصيته غير واضحة تمامًا، وجهه مغلق في الظلال، جسده محاط بهالة من الذكريات المفقودة. يظهر، في البداية، بشكل غير محدد، حتى يظهر بشكل أكثر وضوحًا مع مرور الوقت.)

الطيف (بصوت هادئ، لكن يحمل ثقلاً غير مرئي):
“هل نسيتني يا عادل؟ هل تظن أنني مجرد جزء من الماضي؟ جزء من الذكريات التي تمر وكأنها لا شيء؟ كنت هناك، كنت معك في كل لحظة، وفي كل فكرة. كنت في كل الأيام التي مرّت، في كل لحظة ضائعة، في كل فرصة لم تقتنصها.”

(يتقدم الطيف ببطء نحو عادل، جسده يتنقل بين الظلال، وكأن الزمن نفسه يتداخل معه.)

الطيف (يتنهد، ثم يواصل):
“أتعلم يا عادل؟ كان الوقت بين يديك، ولكنك لم تراه. كل لحظة، كانت فرصة. وكل يوم مضى كان يحمل في طياته فرصًا ضائعة. هل تذكر تلك الأيام؟ هل تذكر تلك الوعود التي قُطعت؟ أم أن الذكريات قد تلاشت مثلما تلاشى ذلك النور الباهت الذي يحاول أن ينير هذا المكان؟”

(عادل يحدق في الطيف، لا يجيب، عينيه مليئة بالحيرة والدهشة.)

عادل (بصوت خافت، مترددًا):
“أنت… أنت جزء من الماضي، أليس كذلك؟ ولكن لماذا الآن؟ لماذا تظهر لي الآن؟ هل حقًا كنت هناك في تلك اللحظات؟ أم أنني فقط أتخيل كل شيء؟”

الطيف (يقترب منه أكثر):
“أنا لا أتيت لأكون خيالًا، يا عادل. أنا كنت هنا، كما كنت أنت هناك. كنت في تلك اللحظات التي كنت فيها عاجزًا عن اتخاذ القرار. كنت في تلك الأيام التي ضيعتها، التي ظننت أنها ستظل هناك. ولكن الوقت لا يرحم. هو لا ينتظر أحدًا.”

(يتوقف الطيف لحظة، ثم يبتسم ابتسامة حزينة.)

الطيف (بصوت حزين):
“هل تذكر تلك الفرصة التي مرّت أمامك؟ هل تذكر لحظةً كنت فيها على وشك اتخاذ قرار؟ ولكنك تراجعت، وقلت: ‘ليس الآن.’ والآن، ماذا تبقى لك؟ هل تبقى لك سوى الندم؟”

عادل (ينظر إلى الأرض، صامتًا، ثم يرفع رأسه ببطء):
“أعتقد… أعتقد أنني كنت دائمًا أقول لنفسي ‘ليس الآن’. كنت دائمًا أبحث عن لحظة أفضل، عن وقت مناسب. لكن… هل كان هناك وقت مناسب؟ هل كانت الفرص حقًا كما كنت أظنها؟”

الطيف (بصوت منخفض، مليء بالمرارة):
“لا يوجد وقت مناسب يا عادل. لقد كنت تبحث عن اللحظة التي لا تأتي أبدًا. الفرص لا تنتظر، وعندما تلتفت للخلف، تجد أن ما فات قد مضى، وأنك الآن تقف أمام أفق فارغ. ماذا تبقى لك من تلك الفرص؟ ماذا تبقى لك من تلك الأيام؟ هل ترى الآن كيف أثر الماضي على حاضرنا؟ كيف أثر على كل خطوة لم نخطها؟”

(يتنهد عادل بشدة، وكأن كلمات الطيف تغرس نفسها في قلبه. يقف صامتًا لفترة طويلة، ثم يتحدث أخيرًا.)

عادل (بصوت يكاد يكون همسًا):
“هل أستطيع أن أعود؟ هل أستطيع أن أعيش تلك الأيام من جديد؟”

الطيف (بصوت بارد ومؤلم):
“لا، لا يمكنك العودة. لا أحد يمكنه العودة إلى الوراء. الماضي ليس مكانًا للعيش فيه، بل هو فقط ذكرى… ذكرى تبقى وتؤلمنا. ولكن هل تعلم؟ ربما الماضي هو الذي شكلنا. نحن الآن ما نحن عليه بفضل كل تلك الفرص التي ضاعت، وبفضل كل لحظة ترددنا فيها.”

(الطيف يقترب خطوة أخرى، ثم يهمس في أذن عادل.)

الطيف:
“الآن، أنت ترى. هل ستظل تدور في دائرة الماضي؟ أم ستقرر أن تعيش الحاضر، رغم أنه لا يملك شيئًا سوى الفجوات التي تركتها الأيام؟”

(يسكت الطيف فجأة، ويتلاشى تدريجيًا، تاركًا وراءه جوًا من الصمت المطبق، بينما يظل عادل واقفًا في مكانه، شارد الذهن.)

(الستار ينزل ببطء.)

الفصل الثاني: “مواجهة الذات”


المشهد الأول: “الحديث مع الحارس”

المكان:
مدخل مغلق أمام السد، حيث الظلال تتداخل مع الضوء بشكل غير منتظم، مما يجعل المكان يبدو وكأنه نقطة فاصلة بين عالمين. السد، الذي كان يبدو وكأنه مجرد حاجز صلب، يظهر الآن كرمز للفجوة العميقة بين الإنسان وفهمه للوجود. على الجانب الآخر، هناك شخصية جالسة، تبدو كأنها تراقب عادل منذ زمن طويل. الحارس، الذي يقف بثبات، يشعّ منه نوع من الحكمة الصامتة، لكنه في الوقت نفسه يحمل في عينيه نوعًا من الغموض الذي لا يفهمه عادل.

(الستار يرتفع تدريجيًا، يظهر عادل واقفًا أمام السد، يتفحصه بتمعن. فجأة، يظهر الحارس في الزاوية، يراقب عادل بعينين ثابتتين، كأنما ينتظر لحظة معينة ليتحدث.)

الحارس (بصوت هادئ، لكن ثقيل):
“هل تعتقد أنك ستتمكن من عبور هذا السد، يا عادل؟ هل تعتقد أن الطريق سيكون ميسرًا؟”

عادل (بدهشة، يلتفت بسرعة نحو الحارس):
“أنت… هل كنت هنا طوال الوقت؟ كيف يمكنني عبور هذا السد؟ لماذا هو هنا؟”

الحارس (بابتسامة غامضة، يرفع رأسه بلطف):
“السد ليس حاجزًا بسيطًا يا عادل. هو ليس مجرد جدار مادي. هو حاجز داخلي، بينك وبين الفهم الكامل لما حولك. لم يكن الوجود يومًا سهلاً، ولا كان معناه واضحًا. هذا السد هو جزء من كل شيء، جزء من الفجوة بينك وبين ذاتك.”

عادل (بتساؤل):
“الفجوة بيني وبين ذاتي؟ هل تعني أنني لا أستطيع فهم نفسي؟ هل هناك شيء ناقص فيَّ؟”

الحارس (بهدوء، ينظر إلى السد بعينين مشبعتين بالحكمة):
“أنت لا تفهم العالم كما هو، لأنك تفهمه كما تريد أن يكون. والحياة ليست ببساطة ما تراه أمامك. هناك فجوة بين ما تعتقده وما هو حقيقي. وبين هذه الفجوة، يتشكل الوجود نفسه. نحن جميعًا نعيش في فوضى هذا الوجود، نحاول أن نكون جزءًا من شيء أكبر منّا، ولكننا غالبًا ما نغرق في تلك الفجوة، في تلك الازدواجية بين الداخل والخارج.”

عادل (يفكر بعمق، ثم يبتسم بحزن):
“إذن، هل يعني ذلك أنني محكوم عليّ أن أعيش في تلك الفجوة؟ هل سأظل دومًا بعيدًا عن فهم الحقيقة؟”

الحارس (بصوت أكثر عمقًا):
“الحقيقة ليست هناك لتُفهم بسهولة. هي ليست جوابًا بسيطًا. هي ليست كما يتصورها الناس، أو كما تظن أنت. الحقيقة هي فوضوية، كما هو العالم نفسه. وأنت، مثل الجميع، محاصر داخل هذه الفوضى. ولكن هل هذا يعني أنك لن تجد الطريق؟ بالطبع لا. المشكلة ليست في العثور على الطريق، بل في كيفية رؤيته. هل ترى الوجود من خلال عينيك فقط، أم من خلال فكرك؟”

(يقترب الحارس من عادل، وقام بتوجيه نظرته بتركيز على عينيه.)

الحارس (بصوت مليء بالفكر العميق):
“الفجوة بينك وبين ذاتك هي أمر حتمي. لن تتمكن من فهم كل شيء، ولن تجد الجواب الذي تبحث عنه بسهولة. هذا هو الواقع. وكلما حاولت، ستجد أن كل خطوة تقربك أكثر من السؤال الذي لا ينتهي. ولكن، هل يمكن للإنسان أن يعيش في هذه الفجوة؟ بالطبع، يستطيع. نحن نعيش في ذلك الفراغ، نتأمل فيه، ونغرق فيه، وفي النهاية، نعيش معه. الحياة ليست أن نصل إلى الحقيقة، بل أن نتعلم كيف نتعامل مع الفجوة نفسها.”

عادل (بصوت هادئ، يتنهد):
“إذن، لا يوجد طريق مباشر؟ لا إجابة واضحة؟”

الحارس (بابتسامة حكيمة):
“الطريق ليس خطًا مستقيمًا يا عادل، بل هو شبكة من الأسئلة التي لا تنتهي. نحن نعيش في تلك الأسئلة، ونحن ننمو من خلالها. كل إجابة تفتح بابًا جديدًا من الأسئلة، وكل خطوة نخطوها تجعلنا نواجه تلك الفجوة مرة أخرى. الحياة لا تقدم إجابات، بل تقدم تجارب.”

(يتنهد عادل، ثم يتراجع خطوة إلى الوراء، وكأنما يحاول استيعاب الكلام.)

عادل (بصوت متأمل):
“هل يعني ذلك أنني يجب أن أتقبل هذه الفجوة؟ أن أعيش في هذا الفراغ الذي لا أستطيع ملأه؟”

الحارس (بهدوء، مع صوت متزن):
“نعم. يجب أن تتقبل ذلك، يا عادل. الفجوة هي جزء منك، كما هي جزء من الوجود. لا يمكنك الهروب منها، ولا يمكنك أن تجد حلاً سريعًا لها. ولكنك تستطيع أن تعيش مع الفجوة، أن تتعلم منها. وكلما فهمت أكثر، كلما اقتربت أكثر من نفسك.”

(يبتسم الحارس ابتسامة خفيفة، ثم يوجه نظره إلى السد، كما لو كان يشير إلى ما وراءه.)

الحارس (بصوت أخير، مليء بالطمأنينة):
“لا تهتم بالسد، يا عادل. تهتم بما هو أبعد منه. لأنه لا يمكن للمرء أن يفهم كل شيء، ولكن يمكنه أن يتعلم كيف يواجهه.”

(الحارس يلتفت ببطء، ويبدأ في التراجع، تاركًا عادل واقفًا أمام السد، بينما يظل السكون يحل على المكان.)

(الستار ينخفض ببطء.)

المشهد الثاني: “نقاش فلسفي

المكان:
مكان مظلم جزئيًا، حيث تنساب الخيوط الخفيفة من الضوء عبر ثقوب في الجدران، مما يخلق أجواءً ضبابية وملتبسة. الظلال تتراقص على الجدران، وكأنها تتحدث وتتحرك ببطء مع كل فكرة تُقال. الضوء ضعيف جدًا، يكاد لا يكشف عن شيء سوى بعض الأطراف المشوشة للأشياء المحيطة. في هذا الفضاء المظلم، يجلس عادل مع الحارس، حيث يلتقي الظلام بالضوء في تناقض صارخ.

(الستار يرتفع ببطء، يظهر عادل جالسًا على الأرض، بينما يقف الحارس في الزاوية، ينظر إلى عادل كما لو أنه يراقب تفكيره. تسيطر على المكان حالة من الهدوء، لكن هناك توتر فكري متزايد.)

عادل (مستغرقًا في التفكير، ثم يتحدث أخيرًا):
“كلما فكرت في الوجود، كلما أصبحت أكثر حيرة. أبحث عن معنى، وأتساءل لماذا أنا هنا، لكن لا شيء يظهر. الموت، الحياة، كل شيء يبدو وكأنه مجرد مرور عابر. هل هذا هو ما نسميه الحياة؟ هل نعيش فقط لنموت في النهاية؟”

الحارس (بهدوء، يراقب عادل بعينيه الثابتتين):
“هل تعلم يا عادل؟ هذا ما يسميه البعض العبثية. السعي المستمر وراء معنى في عالم لا يقدم إجابات واضحة. نحن جميعًا نبحث، نسعى، نأمل، ولكن لا شيء يعطينا إجابة قاطعة. لا يوجد هدف نهائي. لا خطة مهيأة لنا. الموت موجود، كما هو الوجود نفسه. نتنفس اليوم، ونعلم أن يومًا ما، لن نتنفس بعد الآن. لكن هل ذلك يعني أن كل شيء عبث؟”

عادل (بتردد، ينظر إلى الأرض):
“عبث… نعم، يبدو الأمر كذلك. لكننا لا نزال نستمر في البحث. هل نحن مجبرون على الاستمرار في الحياة، رغم أنها لا تقدم لنا إجابة؟ ألا يحق لنا أن نعرف معنى هذا كله؟ لماذا لا يكون هناك هدف واضح؟”

الحارس (يقترب ببطء، صوته مليء بالحكمة):
“لقد تعودنا على البحث عن إجابة، كما لو أن كل شيء له هدف ثابت. لكن هل فكرتم في أن الهدف نفسه قد يكون وهمًا؟ أن المعنى الذي نبحث عنه هو ربما مجرد بناء وهمي في أذهاننا؟ الحياة ليست معادلة يمكن حلها، ولا هي لغز يمكن فك شيفرته. هي مجرد لحظات تتتابع، ونحن جزء منها، فقط نحاول أن نجد مكانًا في هذا الزمان.”

عادل (بحيرة، موجهًا نظره نحو الحارس):
“لكننا، نحن البشر، لا نستطيع أن نتقبل ذلك. نريد أن نكون جزءًا من شيء أكبر، نريد أن نؤمن بأن هناك سببًا لوجودنا. وإذا كان الوجود مجرد سلسلة من اللحظات العشوائية، فكيف يمكننا العيش هكذا؟ كيف يمكننا التعايش مع هذه الفوضى؟”

الحارس (بصوت هادئ، لكنه مشبع بالحكمة):
“الفوضى هي جزء من الوجود، يا عادل. نحن نعيش في عالم مليء بالفوضى، والبحث عن النظام فيه هو أمر عبثي في حد ذاته. كل شيء في الحياة عابر، وكل لحظة هي مجرد تمهيد للحظة التي تليها. هل تتذكر عندما كنت تبحث عن جواب؟ الجواب الذي كنت تنتظره؟ ربما كان الجواب في اللحظة نفسها، في وجودك هنا والآن. هل تعيش الآن، أم أنك تنتظر لحظة أخرى؟”

(عادل يصمت، كأن كلمات الحارس تدور في ذهنه، وتثير تساؤلاته.)

عادل (بصوت هادئ، وكأن التساؤلات تغمره):
“ربما نحن فقط نعيش في الخوف… الخوف من الموت، الخوف من عدم وجود معنى. هل نحن حقًا نبحث عن معنى؟ أم أننا نخاف من العيش بلا هدف؟ هل هذا هو عبث الوجود؟”

الحارس (بصوت مليء بالفهم):
“الوجود نفسه ليس عبثًا، يا عادل. لكن سعينا وراء المعنى هو الذي يجعلنا نشعر بالعبث. نحن نخلق الهدف لأننا لا نريد أن نواجه الحقيقة البسيطة: أن الحياة نفسها هي المعنى. الوجود ليس شيئًا يُحسَب أو يُقاس. إنه مجرد لحظة موجودة بين الماضي والمستقبل. والموت هو جزء من هذه اللحظة، لا أكثر.”

(يتنهد عادل بعمق، وكأن الأفكار بدأت تأخذ شكلًا جديدًا في عقله.)

عادل (بصوت متأمل):
“إذا كانت الحياة هي المعنى نفسه… فلماذا نحاول دائمًا أن نرسم حدودًا لهذه اللحظات؟ لماذا نصر على جعلها أكثر من مجرد لحظات عابرة؟”

الحارس (بابتسامة خفيفة، مليئة بالراحة):
“لأننا نحتاج إلى شيء نتمسك به، شيء يضمن لنا أننا لسنا وحدنا في هذا الفراغ. ولكن الحقيقة هي أننا نحن من نملأ هذا الفراغ. نحن من نخلق المعنى، ونحن من نصنع اللحظات. الوجود هو ببساطة ما نعيشه هنا والآن.”

(الحارس يتراجع ببطء إلى الظلال، تاركًا عادل في حالة من الهدوء المتأمل، بينما تتحرك الظلال من حوله ببطء.)

(الستار ينخفض ببطء، يترك شعورًا بالضبابية والفكر العميق في قلب عادل.)

المشهد الثالث: “الظلال تتراكم

المكان:
غرفة مظلمة بشكل متزايد، كلما مر الوقت، يزداد الظلام كثافة. الجدران التي كانت توحي ببعض الأمل أو الانفتاح تتلاشى شيئًا فشيئًا في الظل، حتى تختفي كليًا. الضوء الخافت الذي كان ينساب من بعض الثقوب في الجدران أصبح نادرًا، مما يجعل المكان يبدو أكثر قتامة وموحشًا. الظلال نفسها بدأت تتحرك بشكل غريب، كأنها تتكاثر وتبتلع كل شيء في طريقها.

(الستار يرتفع ببطء، يظهر عادل جالسًا في وسط الغرفة، يبدو منهكًا ومتعبًا. يراقب الظلال التي تزداد حوله، وكأنها تتحرك ببطء نحو محيطه، محاصرة إياه. كلما حاول النظر إلى الفضاء أمامه، ازدادت الظلال كثافة، حتى أصبح الجدار الذي أمامه غير مرئي.)

عادل (بصوت منخفض، وهو ينظر إلى الأرض بحزن):
“كلما تمعّنت في الوجود، كلما ازداد الظلام من حولي. كأن الحياة، بكل أسئلتها، تقودني إلى نهاية مسدودة. كان يقال لي إن هناك إجابة، وإننا سنصل إلى شيء في النهاية. لكن… ها أنا ذا، لا أرى شيئًا سوى المزيد من الظلال. هل أبحث عن شيء لن أجده أبدًا؟”

(الظلال تتكاثر حول عادل بشكل متسارع، وكأنها تتكاثف وتحيط به من جميع الاتجاهات. تنبعث منها أصوات خفيفة، كأنما تدور في ذهنه. عادل يرفع رأسه ويحاول أن يواجه هذا الظلام، لكنه يظل عاجزًا عن تحطيمه.)

عادل (بتردد، مخاطبًا نفسه):
“لقد كنت أعتقد أنني قادر على الفهم، على إيجاد إجابة… لكن كل ما أجده هو المزيد من الأسئلة. هل أنا محكوم بأن أعيش في هذا الفراغ؟ في هذا الظلام؟ كيف أستطيع أن أكون إذا كانت كل الطرق تؤدي إلى مزيد من الحيرة؟”

(الظل يزداد كثافة، وكأنما يضيق عليه الخناق. صوت الظلال يتحول إلى همسات غامضة، كأنها تهمس بأسرار لا يفهمها عادل.)

الظل (بصوت خافت، يتردد في الفضاء المظلم):
“هل تظن أنك ستجد ضوءًا في هذا المكان؟ هل تظن أن الإجابات ستأتي يومًا؟ كل شيء هنا يتنفس بالظلام، وكل سؤال سيولد سؤالًا آخر. أنت لا تخرج من هذا الدوار، عادل. هذا هو قدرك.”

عادل (بصوت مرتعش، محاولًا التحدث إلى الظل):
“أريد أن أخرج. أريد أن أجد طريقًا… لكنني لا أرى شيئًا سوى الظلال التي تزداد حولي. لماذا لا أتمكن من الهروب؟ لماذا كلما تقدمت خطوة، أجد نفسي أعود إلى نفس النقطة؟”

الظل (بصوت أعمق، يحمل صدى لقلق عادل):
“لا يوجد خروج، عادل. الحياة نفسها هي هذا الظلام. الوجود هو دائرة لا نهائية من الأسئلة، والتفسير الوحيد هو أن لا تفسير. لن تجد جوابًا لأن كل جواب سيقودك إلى المزيد من التساؤلات. هذا هو الوجود الفارغ. إنه لا يتوقف، ولا يرحم.”

(عادل ينهض ببطء، يحاول أن يمشي في الظلام، لكنه يجد نفسه يعيد نفس الخطوات في دائرة مغلقة. يشعر باليأس يتسرب إلى قلبه، بينما يزداد الظلام من حوله. يضع يده على جبهته، وكأنما يعاني من صداع داخلي.)

عادل (بصوت مهزوز، بين دموعه):
“أنا عالق… لا أستطيع أن أرى، لا أستطيع أن أتحرك. كلما حاولت أن أرى ما وراء هذا الظلام، أصبح أكثر كثافة. هل يعني ذلك أنني محكوم على العيش في هذه الحلقة المفرغة؟ هل كل شيء عبث؟ هل يمكن أن يكون الوجود كله بلا معنى؟”

(الظلال تزداد، وتتحرك بشكل غير متوقع حول عادل، كما لو كانت تلتهمه. عادل يصرخ بصوت يملأ الغرفة، لكن صوته يختفي في الظلام، كأنما يبتلعه الفضاء.)

عادل (بصوت أعلى، مع احتقان في حنجرته):
“لا أستطيع التحمل أكثر! لماذا لا أستطيع أن أرى؟ لماذا هذا الفراغ؟ أين هو المعنى؟ أين هو الخلاص؟”

الظل (بصوت عميق ومؤلم):
“لا خلاص في الوجود. لا معاني ثابتة، ولا إجابات نهائية. هذا هو العبث… هذا هو واقعك. ستظل تبحث، لكنك لن تجد سوى المزيد من الظلال.”

(يتوقف عادل فجأة، ويغلق عينيه، كما لو أنه يستسلم لما حوله. الظلال تملأ المكان بشكل كامل، ليختفي عادل في وسط الظلام. الصوت يتلاشى تدريجيًا، ويصبح كل شيء صامتًا.)

(الستار ينخفض ببطء، تاركًا شعورًا بالخواء والضياع في قلب المشاهد.)

الفصل الثالث: “الفجوة العميقة”


المشهد الأول: “المقابلة مع الطيف”

المكان:
مكان معزول، ضبابي، تسيطر عليه ظلال شبحية تتراقص على الجدران بشكل غير مستقر. الفضاء يبدو مشوشًا، كما لو أن الوقت نفسه غير ثابت. لا توجد إشارات زمنية واضحة، والظلام يتداخل مع خيوط الضوء الخافتة التي تأتي من مكان غير محدد. الأبعاد تبدو مشوشة، والمكان يغلفه شعور بالضياع. لا يوجد شيء ثابت في هذا الفضاء سوى الطيف الذي يظهر فجأة في وسط الغرفة.

(الستار يرتفع ببطء، يظهر عادل جالسًا في مكان معزول، يحدق في الفراغ، بينما الظلال حوله تتحرك بشكل غريب. فجأة يظهر الطيف، محاطًا بضباب خفيف وكأن الزمان والمكان قد تداخلوا في شكله. عادل يرفع رأسه، ويده على قلبه، كما لو أنه يحاول استيعاب ما يحدث.)

الطيف (بصوت منخفض، لكنه ملئ بالحكمة الغامضة):
“عادل، أنت هنا، ولكن أين هو “هنا”؟ هل فكرت في معنى هذه اللحظة؟ هل تدرك أن الزمان والمكان هما مجرد انعكاسات في ذهنك؟ كل شيء هنا يمر في دورة لا نهائية، لا بداية لها ولا نهاية، فقط لحظات تتداخل مع بعضها.”

عادل (بصوت هادئ، وهو يحاول فهم ما يحدث):
“أنت… أنت هو الطيف نفسه الذي ظهر لي سابقًا، أليس كذلك؟ ولكن… لماذا الآن؟ ماذا يعني هذا كله؟ إذا كان الزمن مجرد انعكاس، كيف يمكنني أن أعيش في لحظة حقيقية؟”

الطيف (بابتسامة غامضة، تتحرك ملامحه بشكل غير ثابت في الفضاء):
“هل تفهم الآن؟ إن الزمان والمكان الذي تعيش فيهما هما مجرد أبعاد تحبس أفكارك في شكل معين. لكن الحقيقة هي أن اللحظة التي تعيش فيها، هي اللحظة الوحيدة التي تمتلكها. الماضي ذهب، والمستقبل بعيد، لكن “الآن” هو المكان الوحيد الذي يمكنك أن تتواجد فيه.”

عادل (بتساؤل، وكأن الوعي يبدأ بالتفتح داخل ذهنه):
“الآن؟ لحظة الحاضر؟ لكن كيف يمكنني أن أعيش في اللحظة الحالية، وأنت هنا، وأنت جزء من الماضي؟ كيف يمكن أن أعيشه بشكل كامل؟ هل ما أعيشه الآن هو حقيقة؟ أم أننا فقط نعيش في تجسيد للزمن المفقود؟”

الطيف (بصوت عميق، مع بعض النعومة التي تهدئ من قلق عادل):
“أنت جزء من اللحظة التي تعيشها، ولكنك مشروط بأفكار الماضي وآمال المستقبل. أنت تحاول أن تعيش في المستقبل، بينما تظل عالقًا في الماضي. لا تعطي الحاضر حقه. الحاضر ليس مجرد توقف بين الماضي والمستقبل، إنه في حد ذاته حقيقة متكاملة. الزمن لا يمتد إلى ما بعد هذه اللحظة، لأن ما بعد اللحظة ليس إلا سرابًا في عقلك.”

عادل (متحيرًا، يحاول أن يفتح ذراعيه كأنما يفتح قلبه لهذه الفكرة الجديدة):
“إذا كانت اللحظة هي الحقيقة الوحيدة، كيف يمكنني أن أعيشها بشكل كامل؟ كيف يمكنني أن أكون حاضرًا في هذا الوجود؟ كيف أضع كل شيء في مكانه الصحيح، عندما كل شيء حولي يبدو ضبابيًا، كأنه يهرب مني؟”

الطيف (بتأمل عميق، صوته يأخذ صدى غريبًا في المكان):
“أنت تبحث عن الإجابة، ولكن الإجابة ليست في البحث المستمر. هي هنا، في هذه اللحظة التي تشعر فيها بالحيرة. اللحظة التي تشعر فيها بأنك غير قادر على الإمساك بها هي اللحظة التي يجب أن تعيشها بعمق. لا تدع الزمن يفر منك، لأن الزمن لا يتحرك في حقيقة الأمر. أنت من يجعله يتحرك، بحركاتك في ذهنك.”

عادل (بحزن، يشعر بالضياع):
“لكنني لا أستطيع أن أوقف الزمن. لا أستطيع أن أعيش فقط في اللحظة، لأن الماضي والمستقبل يتسابقان في ذهني. كيف يمكن أن أتخلى عن كل هذا؟”

الطيف (بهدوء، وكأنما يهمس في أذن عادل):
“لتعيش في اللحظة، عليك أن تتخلى عن عبء الزمن. لا يعني ذلك أنك ستنسى الماضي أو المستقبل، بل أن تعيش هنا والآن، كما لو أن كل شيء في الكون قد تلاشى. الماضي أصبح جزءًا منك، والمستقبل هو مجرد احتمال. اللحظة هي ما تملكه الآن، وهذه هي الحقيقة الوحيدة التي تستطيع أن تعيشها.”

(الضباب يزداد حول الطيف، ويبدأ في الانحلال تدريجيًا، كأنما يختفي في الزمان والمكان المفقود. عادل يظل واقفًا في مكانه، يبدو وكأن الأفكار الجديدة بدأت تعصف بعقله.)

عادل (بصوت منخفض، وكأنما يستوعب شيئًا جديدًا في عقله):
“اللحظة… هل يعني ذلك أنني لا أحتاج إلى البحث عن شيء؟ هل يكفي أن أكون هنا، في هذه اللحظة؟”

(الطيف يختفي بشكل تدريجي، تاركًا عادل في مكانه، بينما يبدأ الضوء في التسلل عبر الظلال. عادل يقف هناك في هدوء، محاطًا بالمكان الذي يبدو أقل ضبابية.)

(الستار ينخفض ببطء، تاركًا شعورًا بالغموض والهدوء، كما لو أن عادل بدأ في فهم معنى اللحظة الحالية.)

المشهد الثاني: “حوار مع الذات

المكان:
صحراء قاحلة، لا نهاية لها. الرمال تمتد في كل اتجاه، تكاد تلتقي بالأفق البعيد حيث يظهر ضوء الشمس ساطعًا بلا رحمة. لا وجود للظلال هنا، فقط الصمت الثقيل الذي يعم المكان. الهواء حار وجاف، والعزلة كاملة. لا شيء سوى الرمال والحجارة والكلمات التي تدور في عقل عادل.

(الستار يرتفع ببطء. عادل يقف في وسط الصحراء، يرتدي ملابس بسيطة، يبدو معزولًا تمامًا عن العالم. عينيه مشوشة، وجهه يعكس التعب والتفكير العميق. هو لا يرى أي شيء سوى فضاء فارغ، لكن في ذهنه، تدور العديد من الأفكار.)

عادل (يتنفس بعمق، ثم يبدأ في التحدث إلى نفسه):
“هنا… في هذا الفضاء الفارغ. لا شيء حولي. الصمت هو رفيقي الوحيد. لكن… لماذا أنا هنا؟ هل أنا حقًا هنا؟ أم أنني في مكان آخر، حيث الأسئلة تتراكب على بعضها البعض؟”

(عادل يتوقف للحظة، ينظر حوله وكأنما يراقب الرمال التي تهبها الرياح، ثم يتحدث بصوت خافت، كأنما يتأمل نفسه.)

عادل (بصوت متردد، وكأنما يخاطب ذاته):
“لقد بحثت طويلاً عن إجابات، لكن يبدو أن كل شيء يفلت من يدي. الظلال التي كنت أراها اختفت، والماضي الذي حملته معي تلاشى في هذا الفضاء الصامت. ما الذي يمكن أن يعنيه الوجود إذا كان كل شيء محاصر بين الماضي والمستقبل؟ هل يجب علي أن أستمر في البحث؟ أم أن الحياة هي مجرد انتظار لشيء لن يأتي أبدًا؟”

(صمت طويل، عادل يغمض عينيه، يتنفس ببطء، كأنما يحاول إيجاد إجابة في هذه العزلة.)

عادل (بصوت أعمق، وكأنه يقرر شيئًا جديدًا داخل نفسه):
“لقد كنت أبحث عن معنى ثابت، عن هدف يمكنني أن أتمسك به. كنت أعتقد أن الحياة تحتوي على إجابات جاهزة، على خارطة طريق أتباعها. لكن الآن، في هذا الفضاء المفتوح، أدركت أن الحياة ليست ما كنت أظنه. هي ليست معركة ضد الزمن أو البحث عن إجابات في المجهول. الحياة… هي ما أعيشها الآن، في هذه اللحظة. لا شيء آخر.”

(عادل يبدأ في التحرك ببطء عبر الصحراء، بينما يواصل حديثه مع ذاته.)

عادل (بصوت واضح، لكنه يبدو أكثر يقينًا):
“لقد كنت أظن أن الماضي هو الذي يحدد من أنا، وأن المستقبل هو ما يجب أن أطمح إليه. لكنني الآن أفهم… لا شيء في الماضي يمكنه أن يعيدني إلى ما كنت عليه، ولا شيء في المستقبل يمكنه أن يضمن لي معنى لحياتي. الحياة هي هذه اللحظة فقط. أنا هنا الآن، وفي هذه اللحظة فقط يمكنني أن أكون. ليس هناك فائدة من العودة إلى الوراء أو التطلع إلى الأمام. كل شيء يبدأ وينتهي هنا.”

(عادل يتوقف للحظة، ينظر إلى الأفق البعيد حيث تلتقي الرمال بالسماء، ثم يلتفت إلى نفسه، وكأنه يواجهها بشكل مباشر.)

عادل (بابتسامة صغيرة، وكأنما قد اكتشف سرًا مخفيًا):
“قد لا يكون هناك معنى ثابت، قد لا يكون هناك إجابة شاملة على كل شيء. ولكن يمكنني أن أخلق معناه بنفسي. يمكنني أن أعيش هذه اللحظة كما هي، بكل ما فيها من صمت، من فراغ، ومن فرصة لإعادة تعريف كل شيء. الحياة ليست وعدًا، ولا هي عبء. الحياة هي تجربة، وأنا من يختار كيف أعيشها.”

(عادل يبدأ في السير ببطء عبر الصحراء، الرمال تنساب تحت قدميه كما لو أنها تبتلع خطواته، لكن عينيه تحملان الآن بريقًا من السلام الداخلي. يبدأ في الابتسام، وكأنما اكتشف الحقيقة التي كانت مختبئة في أعماقه.)

عادل (بصوت هادئ، وهو يمشي):
“لا شيء في هذا الوجود محدد أو ثابت. ولكن هنا، في هذه اللحظة، أنا أعيش… وأنا أقرر معنى حياتي.”

(الستار ينخفض ببطء، تاركًا عادل يمشي عبر الصحراء في صمت، كأنما يستمر في اكتشاف نفسه، في عالم من الفراغ الذي أصبح مليئًا بمعانيه الشخصية.)

المشهد الثالث: “الفجوة تتسع

المكان:
مكان يتسع تدريجيًا، يتميز بفضاء مفتوح يشع بالضوء الخافت، لكنه لا يتسم بالوضوح الكامل. الظلام في الأركان لا يزال قائمًا، لكنه يبدو أبعد، كما لو أن الفجوة بينه وبين عادل تتسع شيئًا فشيئًا. الأرض تحولت إلى مساحات شاسعة من الفضاء الفارغ، أما في الأفق، فلا شيء سوى الفراغ الذي يحدق فيه عادل. هذا الفضاء اللامتناهي يشعره بالضياع، لكنه في ذات الوقت يمنحه شعورًا جديدًا بالحرية.

(الستار يرتفع ببطء، يظهر عادل واقفًا في وسط هذا الفضاء المتسع. كل شيء حوله يبدو في حركة خفيفة، لا أحد سواه في هذا المكان. ينظر إلى الأفق بتركيز، لكنه لا يستطيع رؤية أي شيء سوى الظلام الذي يبتعد تدريجيًا.)

عادل (بصوت متأمل، يتحدث مع نفسه):
“هكذا… يزداد المكان اتساعًا، كلما مر الوقت. الفجوة التي كنت أخاف منها، تزداد اتساعًا، والظلام الذي كنت أهرب منه يبتعد. ولكن لماذا يبدو أنني لا أزال في مكانٍ غير محدد؟ هل سيأتي يوم تتقلص فيه هذه الفجوة، أم أنها ستظل تبتعد عني إلى الأبد؟”

(عادل يبدأ في المشي في الاتجاه المعاكس للظلام، خطواته بطيئة وحذرة، كما لو أنه يحاول التكيف مع هذا الفراغ الجديد. ومع كل خطوة يخطوها، يتسع المكان من حوله.)

عادل (بصوت هادئ، كأنما يتحدث إلى نفسه في محاولة للتفهم):
“كنت أظن أن الفجوة التي بيني وبين الحقيقة هي شيء يجب أن أملؤه، يجب أن أحقق فيه شيئًا ما… جوابًا، معنى، أي شيء. كنت أعتقد أنني يجب أن أسيطر على هذه الفجوة. لكن الآن، كلما ابتعد الظلام، أصبحت أكثر اقتناعًا أن هذه الفجوة جزء من الوجود ذاته. هي ليست عدوًا لي… بل جزء من رحلتي.”

(عادل يتوقف للحظة، ينظر حوله بنظرة مليئة بالتساؤل.)

عادل (بصوت عميق، وكأنه يستوعب الحقيقة ببطء):
“الفجوة… هي جزء من حياتي، جزء من وجودي. ربما لا أحتاج إلى أن أملأها بأي إجابة نهائية. لا أحتاج إلى أن أكتشف كل شيء. ربما يكمن الجمال في عدم المعرفة، في المجهول الذي يظل مفتوحًا. هذه الفجوة، بهذا الحجم المتسع، هي جزء من لحظتي. هي جزء من الحياة نفسها.”

(يبدأ المكان بالتغير تدريجيًا، الأرض تصبح أكثر اتساعًا، والظلام في الأركان يبتعد أكثر. عادل يسير بشكل أبطأ الآن، وكأنما بدأ يتقبل الوجود كما هو.)

عادل (بصوت هادئ، مع ابتسامة خفيفة على وجهه):
“الوجود لا يتطلب إجابات. ولا يحتاج إلى ملء الفراغات. الفجوة ليست شيئًا يجب أن أخاف منه، بل هي ما يجعلني أعيش. إذا لم أقبل هذا الفراغ، فكيف يمكنني أن أعيش في هذا الوجود؟ لا حاجة لمغامرة البحث عن أكمل الحقيقة، لأن الحقيقة هي أنني موجود هنا، في هذه اللحظة، في هذا الفضاء الواسع.”

(يواصل عادل السير في هذا المكان المتسع، وكل خطوة يخطوها تجعل الفجوة بينه وبين الظلام أكبر. يشعر بالسلام الداخلي، كما لو أنه تخلّى عن العبء الذي كان يحمله.)

عادل (بصوت هادئ، ولكن هذه المرة يبدو أكثر استقرارًا):
“لا حاجة لأن أملأ هذه الفجوة. الحياة هي ما أعيشه الآن، بدون حاجة لمعرفة كل شيء. الفجوة تتسع، وأنا أتقبلها كما هي.”

(الستار ينخفض ببطء، عادل يختفي تدريجيًا في هذا الفضاء المتسع، بينما يظل شعور بالسلام والقبول يعم المكان. الفجوة لا تنتهي، لكنها أصبحت جزءًا من رحلة عادل في فهم الوجود.)

الفصل الرابع: “اللحظة الحاسمة”


المشهد الأول: “السد يتكسر”

المكان:
السد الذي كان يحيط بعادل، بدأ يتصدع تدريجيًا. الحواف التي كانت عالية وضخمة، تبدو الآن هشة، والجدران التي كانت ثابتة في السابق تتناثر منها الشقوق. الضوء الذي يتسلل من خلال الشقوق يظهر في المكان كما لو أن هناك خيوطًا من الفهم تتسرب إلى عقل عادل. الأرض التي كان يعتقد أنها ثابتة تتشقق أيضًا، والهواء يصبح أكثر حيوية. يبدو أن السد الذي كان يحيط به، يمثل عقبة نفسية، أصبح الآن يتدمر، ويمثل التحول في حالة عادل الذهنية.

(الستار يرتفع ببطء. عادل يقف أمام السد، يراقب الشقوق التي تبدأ في الظهور على الجدران. هناك أصوات خافتة تشبه التصدعات التي تبدأ في الانتشار في المكان. عادل يحدق في السد، في البداية لا يبدو عليه التفاعل، ثم يبدأ في الحركة شيئًا فشيئًا.)

عادل (بصوت منخفض، وهو يتأمل الشقوق):
“كان هذا السد هو ما يحيط بي، ما يحدني. كنت أظن أن هذا السد هو ما يعزلني عن العالم، وما يمنعني من التقدم. كنت أراه كعائق يجب عليّ التغلب عليه. كنت أخاف من هذه الشقوق، من هذه التصدعات التي تفتح الفضاء. ولكن… هل يمكن أن يكون هذا السد جزءًا من الوجود؟ هل يمكن أن تكون هذه الفجوات هي ما يعطيني الفرصة لالتقاط النفس؟”

(عادل يقترب من السد ببطء، يلمس إحدى الشقوق برفق، ويشعر بتشقق الجدران تحت يده. الضوء الذي يتسرب من خلالها يصبح أكثر وضوحًا، كأنما يحمل إشارات من الأمل. عادل يبتسم لأول مرة، رغم ضبابية شعوره.)

عادل (بصوت هادئ، مليء بالتساؤل):
“ربما كان هذا السد هو ما كنت أحتاجه. كنت أظن أنه كان حاجزًا يعزلني، ولكن ربما كان هذا الحاجز هو ما شكلني. الفجوات التي كانت تثير خوفي أصبحت الآن تفتح أمامي الطريق. كل شق وكل تصدع هو فرصة جديدة. لم يكن السد جدارًا صلبًا، بل كان تجسيدًا للحدود التي وضعتها في ذهني. الآن، أرى أن هذه الحدود يمكن أن تتحطم، ويمكنني أن أتفاعل مع العالم بدلًا من أن أقاومه.”

(السد يبدأ في التصدع بشكل أكبر، والأصوات تصبح أكثر وضوحًا. الضوء الذي يتسرب يملأ المكان بشكل تدريجي، وعادل يقف أمامه، لا يخشى الكسر بل يبدو متقبلًا للتحول الذي يحدث. العواصف الصغيرة التي كانت تعصف بالمكان بدأت تهدأ.)

عادل (بابتسامة هادئة، ومع شعور من الفهم):
“لقد كنت أظن أن الوجود هو مجرد شيء يجب أن أتحايل عليه، وأتغلب عليه. لكن الآن، يبدو أن كل شيء يجب أن أعيشه، أن أتعامل معه، وأن أقبله كما هو. هذه الشقوق ليست فشلًا، بل هي خطوة نحو شيء جديد، نحو فهم أعمق. أنا لم أعد أرى السد كعائق، بل كأداة للنمو، وسيلة لفهم ما كنت أعتقد أنه مستحيل.”

(الستار يبدأ في الانهيار بشكل أبطأ، حيث تزداد الشقوق في السد، لكن عادل لا يظهر أي قلق، بل يبدو أنه يتقبل هذا التحطم كجزء من تحول داخلي عميق.)

عادل (بصوت راسخ، كما لو أنه في لحظة وعي تام):
“كل ما ظننت أنه حاجز أصبح الآن جزءًا من رحيلي. السد ليس سوى جزء من الطريق الذي يجب أن أتبعه. تلك العقبات التي كنت أراها كعائقات هي ببساطة تجليات للنمو. هذا السد، الذي كنت أخافه، هو الآن يتكسر ليمنحني حرية جديدة. لم أعد بحاجة إلى التغيير، بل إلى التفاعل مع الواقع كما هو.”

(الضوء يصبح أكثر إشراقًا من خلال الشقوق التي تنتشر في السد، بينما عادل يبتسم برضا. يبدو أن السد قد تم تدميره بالكامل، لكن عادل يشعر بالسلام الداخلي والحرية. المكان أصبح أكثر انفتاحًا وواسعًا، وكأن الأفق قد أصبح أقرب.)

عادل (بصوت مليء بالسلام الداخلي):
“هذه هي اللحظة. السد قد تكسر، لكنني الآن أعرف… الوجود لا يحتاج إلى أن يُكسر، بل إلى أن يُحتضن، إلى أن يُعيش.”

(الستار ينخفض ببطء، بينما عادل يقف هناك، في قلب المكان المفتوح الذي خلفه السد المتكسر. الضوء يملأ المكان، والجدران التي كانت تحيط به قد أصبحت ذكريات من الماضي.)

المشهد الثاني: “اللحظة الأخيرة

المكان:
المكان يغمره ضوء ناعم ودافئ، كما لو أن الشمس تشرق في الأفق من جميع الاتجاهات. لا توجد ظلال، ولا شيء يمكنه حجب الضوء. كل شيء يبدون مشرقًا وواضحًا. الهواء محمل بالسكينة، وكل شيء حول عادل يبدو هادئًا تمامًا. المكان ليس محددًا، بل هو شعور عام من الانفتاح، كما لو أن المكان والزمان قد اختفيا في هذه اللحظة. عادل يقف في وسط هذا الفضاء الذي أصبح مفتوحًا تمامًا.

(الستار يرتفع ببطء. عادل يقف في مكان مفتوح بالكامل، الضوء يملأ المكان من جميع الاتجاهات. لا شيء حوله سوى الضوء، ويبدو أن الزمن قد توقف. عادل يقف بهدوء، عينيه مغلقتان، وكأنه يعيش هذه اللحظة بكل تفاصيلها.)

عادل (بصوت هادئ، محاط بالسلام الداخلي):
“ها أنا ذا… في هذه اللحظة. لا شيء آخر. كل الأسئلة التي حملتها طيلة حياتي، كل الأعباء التي حاولت أن أتحملها، كل الآمال التي كنت أسعى إليها… كل ذلك قد تلاشى الآن. لا حاجة للبحث عن إجابات، ولا حاجة للوصول إلى فهم كامل. الحياة… هي هذه اللحظة فقط.”

(عادل يفتح عينيه ببطء، وينظر حوله كما لو أنه يستوعب الوجود بالكامل لأول مرة. وجهه يظهر عليه السلام، كأنما توصل إلى حقيقة كبيرة.)

عادل (بصوت هادئ، وابتسامة خفيفة على وجهه):
“لم أعد بحاجة إلى أن أعرف كل شيء. الحياة لا تعني أنني يجب أن أمتلك الإجابات. الحياة هي التفاعل مع الأسئلة نفسها. ليست الإجابة هي الهدف، بل هي الرحلة نفسها، هي اللحظة التي أعيشها الآن. ما دمت أعيش هنا، الآن، فهذا يكفي.”

(عادل يرفع يديه قليلاً، وكأنما يعانق الضوء، يعبر عن السلام الداخلي الذي يملأه. الصوت المحيط يصبح أكثر سكونًا، كما لو أن العالم كله يقف في هذه اللحظة.)

عادل (بصوت يملؤه الرضا):
“الوجود ليس شيئًا يجب أن أتسابق لأفهمه، بل هو شيء يجب أن أعيشه بكل ما فيه. لا حاجة للبحث المستمر عن معانٍ ثابتة، لأن الحياة نفسها هي المعنى. الوجود ليس هدفًا للوصول إليه، بل هو عملية مستمرة من التفاعل مع اللحظة… مع الآن.”

(عادل يغمض عينيه مجددًا، ويرتخي في هذه اللحظة، كأنما يتنفس بعمق ويشعر بكل شيء من حوله. الضوضاء في العالم تختفي تمامًا، ويفقد المكان أية خصائص مادية أو مكانية. عادل يختفي في هذا الشعور التام بالوجود.)

عادل (بصوت هادئ، كما لو كان يختتم فكرة):
“هذه اللحظة هي كل شيء. أنا الآن هنا، في هذا الوجود. لا شيء آخر. لا حاجة للبحث عن الإجابة، لأن الإجابة هي في العيش.”

(الضوء يزداد سطوعًا حول عادل، وكأنما يغمره بالكامل، ويستمر في الزيادة حتى يصبح كل شيء مشرقًا بالكامل، ثم يظل المكان غارقًا في هذا الضوء الهادئ.)

(الستار ينخفض ببطء، وعادل يبقى في قلب هذا الضوء الساطع، حيث لا شيء سوى الوجود الطاهر، بدون حاجة لأي تفسير أو هدف.)

المشهد الثالث: “الظل يختفي

المكان:
المكان هادئ ومضيء، مملوء بالسكينة والسلام الداخلي. لا توجد حدود واضحة أو ملامح مكانية محددة، فقط ضوء ناعم يغمر كل شيء. الألوان هادئة، والهواء يبدو نقيًا، كما لو أن الزمن قد توقف، ولكن في هذه اللحظة، كل شيء يبتسم بسلام. الظل الذي كان يلاحق عادل طوال رحلته بدأ يختفي تدريجيًا في هذا الضوء الطافح، كما لو أن ضوء الوجود يبدد الظلام الذي كان يحيط به. المكان الآن يكتسب طابعًا مطمئنًا، حيث الوجود كله يُحتضن بدون مقاومة.

(الستار يرتفع ببطء، وعادل يقف في وسط هذا المكان المضيء. أمامه، يظهر الحارس ببطء، لكن هذه المرة يبدو وجوده هادئًا، لا يعكس الخوف أو الصراع. الظل الذي كان يلاحق عادل في المراحل السابقة يبدأ في التلاشي، كما لو أن كل شيء قد وصل إلى نهايته التي كانت دائمًا موجودة في اللحظة نفسها.)

عادل (بصوت هادئ، متأملًا):
“لقد اختفى الظل… لم يعد يطاردني كما كان. ربما لأنه لم يعد موجودًا، أو ربما لأنني لم أعد أبحث عنه. لقد كانت الفجوة التي بيننا، بين الظل وأنا، هي ما جعلني أرى الوجود غير مكتمل. ولكن الآن، أرى الوجود كما هو. لا حاجة لتفسيره، ولا حاجة لملء الفجوات.”

(الحارس يقف أمامه، يشير بإيماءة خفيفة إلى الفجوة التي لا تزال قائمة، لكنها لا تؤثر الآن على عادل. عادل ينظر إلى الحارس، ثم يعود للتركيز على المكان المضيء.)

عادل (بصوت هادئ، مع ابتسامة رقيقة):
“أعلم أن الفجوة ما زالت هناك، ولكنني لا أخشى منها. لا شيء يحتاج إلى أن يُغلق أو يُحل. الفجوة هي جزء من الوجود، كما هو الظل. لم يعد الظلام يسيطر عليَّ. لقد تعلمت أن أعيش مع الأسئلة، أن أعيش مع الفجوة، دون الحاجة إلى أن أملأها أو أفهمها.”

(الظلام يختفي بالكامل الآن، ويصبح المكان كله مشرقًا بألوانه المطمئنة. عادل يتنفس بعمق، كما لو أنه أصبح جزءًا من هذا المكان الهادئ.)

عادل (بصوت مليء بالسلام الداخلي):
“النهاية ليست نهاية للبحث، ولكنها قبول للحياة كما هي. النهاية ليست خالية من الأسئلة، بل هي بداية فهم آخر… بداية التعايش مع الوجود بكل ما يحمله من غموض وأمل. لا حاجة للهرب من الفجوة، بل لتقبلها كجزء من الحياة. الظلام اختفى، لكن الوجود ما زال مستمرًا.”

(الحارس يبتسم ابتسامة هادئة، ويبدأ في التراجع، بينما عادل يقف مستمتعًا باللحظة التي هو فيها. لا شيء حوله سوى الضوء الذي يغمره، والفجوة التي تظل جزءًا من الوجود، لكنها لم تعد تشكل تهديدًا. عادل يشعر بالسلام التام.)

عادل (بصوت هادئ، كما لو أنه يختتم رحلته):
“الوجود لا يحتاج إلى تفسير. لا يحتاج إلى أن يُفهم بشكل كامل. الحياة هي ببساطة ما أعيشه الآن، في هذه اللحظة. الفجوة… الظل… هي جزء من الطريق. لا شيء يحتاج إلى أن يُغلق، ولا شيء يحتاج إلى أن يُملأ. الوجود هو ما هو عليه.”(الضوء يصبح أكثر سطوعًا، وعادل يقف في مكانه، محاطًا بهدوء وطمأنينة. الحارس يختفي تدريجيًا، بينما يبقى عادل واقفًا في هذا الفضاء المفتوح، يتنفس بسلام مع كل لحظة. الستار ينخفض ببطء، والفضاء يظل مملوءًا بالسلام الداخلي الذي عثر عليه عادل

Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *