جميع الحقوق محفوظة لعماد إيلاهي. يُمنع نسخ أو إعادة نشر أي جزء من هذا الموقع بأي وسيلة دون إذن كتابي مسبق.

رسائل على الشاطئ

جلست على الرمال، يطوّقها هدير أمواج البحر وأغاني الرياح، كأنها كائنة من نور تستمع إلى همس الكون في سكونه الأبدي. في يدها دفتر صغير، أوراقه محملة بكلمات لم تجرؤ شفتيها على البوح بها، رسائل لم يعرفها إلا الموج، ولم يقرأها أحد سوى النجوم المنثورة على صفحة السماء.

كان البحر صديقها الوحيد، تُسرّ إليه بعشقها الساكن في صدرها، عشق لرجلٍ لم يعرف أنه سكنها كما تسكن الروح الجسد. كل يوم كانت تأتي إلى البحر، تترك على الرمال آثار حنينها، وتبعثر في الأوراق أشواقها، تكتب إلى رجل استوطن وجدانها، ذاك الذي مرّ في حياتها كحلم، وسكنها كهمسٍ لا يفنى.

وذات مساء، حين كانت تغمس قدميها في الماء، أحسّت بخطوات تقترب، فالتفتت. كان هناك، واقفًا عند حافة صمتها، يحمل في يده ورقة وردية، مهزوزة الحواف كأن الريح حملتها إليه من عالم آخر.

“هل هذه رسالتك؟” سأل بصوت يلامس وجدانها، بابتسامة تحمل بين طياتها ألف سؤال وألف يقين.

رفعت عينيها إليه، وجدت في ملامحه دهشة الاكتشاف، وتردد الباحث عن إجابة تسكن روحه. كان هو… الرجل الذي سكن المقهى واحتل أيامها، ولم تجرؤ يومًا على أن تقترب منه أكثر من المسافة التي يفرضها القدر.

قالت، وصوتها نغمته الرجاء والخوف:

“نعم، لكنها لم تكن لك… بل للريح، للموج، للسماء…”

ابتسم، كأنه أدرك سرّ الحكاية منذ الأزل، وقال:

“وأنا أيضًا كنت أكتب رسائل، لكنني لم أكن أعرف لمن أرسلها… حتى وجدت هذه.”

جلسا معًا على الرمال، وصمت البحر لحظةً كأنما يصغي إلى ميلاد قصيدة جديدة. ومنذ ذلك المساء، لم تعد الرسائل تُكتب على الورق، بل على نبضات القلوب، حيث لا تمحوها الريح، ولا تغرقها الأمواج.

عماد إيلاهي

الحمامات 30/04/2019

Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *