جميع الحقوق محفوظة لعماد إيلاهي. يُمنع نسخ أو إعادة نشر أي جزء من هذا الموقع بأي وسيلة دون إذن كتابي مسبق.

🎭 مرآة في الظلمة

(مسرحية من مشهد واحد)

الشخصية الوحيدة:

“ثاوِرْغوس” (Thaurgos) – اسم مستوحى من الجذر الإغريقي (Θαῦμα) ويعني “الدهشة”، و”أُرغوس” وتعني “الذي يراقب”.

ثاورغوس: الدهشة المُراقِبة، رمز الذات الواعية التي لا تجد نفسها إلّا حين تسأل.

المكان

غرفة أشبه بقبوٍ للذاكرة، مظلمة كفجوةٍ نُسي فيها الضوء.

لا نوافذ، لا باب ظاهر، سوى مرآة معتمة تتدلّى في الجدار، كأنها ثقب أسود في جدار الكينونة.

ضوء باهت من أعلى، لا ينير بل يكشف حدود العزلة.

✨ المشهد الوحيد

(إضاءة خافتة، “ثاورغوس” جالسٌ على كرسي خشبي أمام المرآة، ظهره مُنحنٍ، أصابعه تتلاعب بقطعة من الزجاج المهشَّم.)

ثاورغوس

(بصوت خفيض كمن يخاطب الفراغ)

ها أنا أمامكِ، يا مرآةَ اللاشيء…

أتوسّل وجهًا لا أعرفه،

وأنتظرُ انعكاسًا لا يعود.

(ينظر طويلًا في سطحها الأسود)

كنتُ أؤمن أن الإنسان يُخلق مرتين:

مرّةً من الطين…

ومرّةً حين يرى ذاته.

(صمت)

فهل أنا مخلوقٌ ناقص؟

أم أن الطين تشكّل…

لكن المرايا لم تُخلق بعد؟

(ينهض، يدنو من المرآة، يضع كفه عليها، كمن يتحسّس نبضًا غائبًا)

مرآتي…

أتذكرين أمي؟

كانت تضعني أمامكِ وتهمس:

“انظر، هذا أنت، فلا تضيع عنك.”

لكنني حين أنظر الآن،

لا أرى إلا صدى امرأةٍ ماتت،

تحدّق بي من الجانب الآخر للغياب.

(يتبدّل صوته، يصبح أكثر حنينًا، أكثر ذوبانًا)

أمّاه…

صوتكِ يسكنني،

لكنني لا أملك ملامحكِ،

ولا حتى اسمي الذي ناديتِ به.

(صمت)

هل تنطفئ الأسماء إن لم يسمّها أحد؟

(ينكمش على نفسه، يجلس، يتحدث كمن يناجي حبًا غادر)

وأنتِ، يا من ظننتكِ مرآتي،

رأيتكِ في انعكاسي…

ولم تريني قط.

كنتِ ترسمين وجهكِ في وجهي،

فمحوتِني.

(ينهض فجأة، بعينين مضطرمتين، يصرخ نحو المرآة)

وأنتِ!

يا أنا الذي خذلتُه…

من تكون؟

أمِنك أخاف؟

أم أنك لم تولد يومًا؟

(يحاول صفع المرآة، لكنها لا تصدر صوتًا… مجرد لمس بلا ارتداد)

لا صدًى…

لا ارتداد…

لا ملامح.

(بصوت منهك، ينكمش في زاوية الضوء)

هل أنا موجود،

إن لم تُنطق حروفي في فمِ أحد؟

هل أنا صورة…

تنتظر عينًا تُبصرها لتوجد؟

(ينهض ببطء، يتقدّم إلى مركز الضوء، يهمس)

أنا…

كائنٌ بلا شهود،

بلا صدى،

بلا ذكرى.

(ينظر في المرآة، بابتسامة حزينة)

أتعلمين؟

لعلّي لستُ سوى العدم الذي يتأمّل نفسه،

ويحلم بأن يكون.

(ينطفئ الضوء تدريجيًا. تبقى المرآة مضاءة للحظة، ثم تغيب كجفنٍ انغلق على حلم.)

إظــــــلام.

الكاتب المسرحي: عماد إيلاهي

Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *