التربية على القيم: درب الأمل نحو مجتمع متماسك وبيئة مدرسية سليمة

التربية على القيم: درب الأمل نحو مجتمع متماسك وبيئة مدرسية سليمة

.مشهد الفوضى في نهاية السنة الدراسية: أكثر من مجرد حادث عابر

حين ينطفئ صخب الحصص الدراسية وتطوى صفحات الكتب، يفترض أن تعم أجواء الفرح والاحتفال بنهاية عامٍ من الجد والاجتهاد. غير أن مشهدًا آخر ينبعث من كواليس هذه الفرحة، حيث نسمع صوت تحطم أثاث المعهد والمدرسة، ونشهد تصرفات التلاميذ التي تبدو وكأنها حربٌ على فضاءات العلم والارتقاء.

هذا الإتلاف ليس مجرد فورة عابرة أو نزوة شبابية تزول بزوال المناسبة، بل هو انعكاس لواقع أكثر تعقيدًا، يرتبط بجذور تربوية وثقافية عميقة. إنه صوت صامت يصرخ بأن هناك خللاً في طريقة تعاملنا مع أبنائنا، وأن منظومة التربية والتعليم لم تثمر بعد ما نصبو إليه من بناء الإنسان قبل بناء المعرفة.

التربية على القيم: حجر الأساس في بناء الشخصية السوية

في كتابي «الإصلاح التربوي في تونس 2025-2030» أوردتُ أن التربية على القيم ليست فقط مكسبًا إضافيًا في مسيرة التعليم، بل هي القلب النابض الذي يمد هذه المسيرة بالحياة. القيم ليست شعارات تُكتب على جدران المدارس أو تُلقى في خطب رسمية، بل هي أنسجة حيّة تحيط بالمتعلم، تسري في وجدانه، وتغذي عقله وسلوكه.

قيم الاحترام، المسؤولية، الانتماء، والنزاهة هي التي تحمي المدرسة من أن تتحول إلى ساحة فوضى، وتحول التلميذ من متلقٍ سلبي إلى مواطن واعٍ مسؤول. هذه القيم تُعلم المتعلم كيف يكون حارسًا على ممتلكات بيته الثاني، المدرسة، وكيف يكرم المكان الذي احتضنه وأنار دربه.

الأسباب النفسية والاجتماعية وراء إتلاف أثاث المدرسة

لا يمكن اختزال ظاهرة إتلاف الممتلكات في مجرد تمرد أو اندفاع طائش، بل يجب النظر إليها من منظار أوسع يشمل عوامل نفسية واجتماعية:

دور المدرسة والأسرة والمجتمع في بناء قيم صلبة

إن التربية على القيم ليست مسؤولية المدرسة وحدها، بل هي مهمة مشتركة تتقاسمها الأسرة والمدرسة والمجتمع بأكمله.

مقترحات عملية لتفعيل التربية على القيم في المنظومة التربوية

في سبيل تجاوز ظاهرة إتلاف الأثاث، وتفادي تكرارها، لا بد من إجراءات عملية تُغذي القيم وتدمجها في يوميات المتعلمين:

خاتمة: التربية على القيم هي مفتاح المستقبل

إن الظاهرة التي نشاهدها من إتلاف أثاث المدرسة ليست إلا مرآة تعكس مدى التحديات التي تواجه منظومتنا التربوية في غرس القيم. إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإننا سنخسر مستقبل أجيالنا، ولن نتمكن من بناء تونس التي نطمح إليها.

لكن، في نفس الوقت، يحمل هذا المشهد من الألم أملًا غامضًا؛ إذ أنه يذكرنا بأن هناك حاجة ماسّة إلى استيقاظنا جميعًا، مسؤولين ومربين وأولياء أمور، للعمل بحزم وصدق على إصلاح هذا الجانب الحيوي من التربية.

فلنجعل من التربية على القيم هدفًا يتجاوز الكلمات إلى أفعال، ومن منظومة التربية والتعليم بيتًا يحتضن أجيالنا، ويزودهم بكل ما يلزم ليكونوا بناءً لا هدامين، يزرعون الحياة ولا يقتلعونها، ويحملون مشعل النور إلى مستقبلٍ أكثر إشراقًا.

عماد إيلاهي

Exit mobile version